معلومات تاريخية عن مصر

 

 

موجز تاريخ مصر القديم

 

  • منذ 250 ألف سنة ق.م. في عصور ما قبل التاريخ كانت مصر موئلا للإنسان البدائي الذي كان يصيد الحيوانات حيث كانت المنطقة في أقصى الجنوب عند النوبة غنية بالحشائش
  • منذ 35 ألف سنة ق.م. تعرضت هذه المنطقة للتصحر الذي توقف بهطول الأمطار مما أوجد مجتمعات زراعية بمصر الوسطى والدلتا بالشمال.وقامت أول حضارة مصرية في منطقة البداري بالصعيد تقوم على الفلاحة والصيد وتربية الطيور والمواشي وصناعة الفخار والتعدين.
  • في حوالي سنة 4000 ق.م. ظهرت نظم الري وأصبحت مصر ممالك قبلية صغيرة وكان الوجه القبلي يرمز له بالتاج الأبيض والوجه البحري يرمز له بالتاج الأحمر ووحد الملك مينا من الجنوب القطرين منذ 3200سنة ق.م وجعل العاصمة منف (ممفيس). وهذا التوحيد جعل مصر بلدا آمنا وعاصمتها ممفيس وهذا يتضح من خلال سجلاتها الكثيرة الذي حافظ عليها مناخها الجاف لتكون رسالة محفوظة عبر الأزمان المتلاحقة وماكتب على ورق البردي.

 

  • وهذا التقسيم التاريخي لمصر والمعروف بنظام الأسرات منسوب لكاهن مصري اسمه مانيتون وقد كتبه في العهد البطلمي:
  • تقسيم تاريخ مصر لثلاثين أسرة حتي دخول الإسكندر الأكبر مصر وهذا التاريخ فيه ثغرات أغفلت فيها فترات حكم العديد من حكام مصر:
  • ظل حاكم مصر يضفي عليه الألوهية منذ توحيد مصرعام 3200 سنة ق.م. وحتي احتلال الرومان مصر.
  • 2772 ق. م. عرف المصريون أن تقويم السنة 365 يوم.
  • 2700 ق.م. الملك زوسر شيد هرمه المدرج المعروف بهرم سقارة.
  • 2560 ق.م. بنى الملك خوفو الهرم الأكبر الذي ظل أعلى بناية في العالم حتي القرن 13.
  • 2260 ق.م دارت احداث قصة الفلاح الفصيح
  • 2050 ق.م أصبحت طيبة الأقصر حالياً أثناء الدولة الوسطى عاصمة مصر.
  • 2000 ق.م. مصر روضت القطط لإصطياد الثعابين والتقدم في الفلك والتنبؤ بميعاد الفيضان.
  • 1786 ق.م. الهكسوس الذين قدموا إلى مصر كتجار وأجراء في القرن المضطرب السابق، يحتلون شمال مصر ويستقدمون الحصان والعجلة وقوي نفوذهم بسبب المشاكل الداخلية بمصر.
  • 1600 ق.م. ثورة ضد الهكسوس في مصر العليا إنتشرت بكل أنحاء مصر.
  • 1560 ق.م. أحمس طرد الهكسوس وباقي القبائل الآسيوية، مؤسسا الدولة الحديثة وأصبحت مصر دولة استعمارية وسيطروا على معظم العالم القديم.
  • 1500 ق.م. استعمل الشادوف.
  • 1425 ق.م. تولى الملك تحتمس الثالث حكم مصر واسس الامبراطورية المصرية أو ما يوصف بالدولة الحديثة
  • 1375 ق.م. دعوة التوحيد إخناتون ونقل العاصمة من طيبة لتل العمارنة ومنع عبادة الشمس وهو ما أدى لتفكك اجزاء كبيرة من الامبراطورية المصرية
  • 1271 ق.م. الملك رمسيس الثاني يحارب الحيثين على الحدود الشرقية للبلاد في معركة طويلة اسمها قادش لم ينتصر فيها أحد
  • 1285 ق.م. ملك الحيثيين خاتوسيلي الثاني يعقد اتفاقية سلام مع رمسيس الثاني وتعد أول اتفاقية سلام مدونة في التاريخ وجاءت لتكافء القوى
  • 1236 ق.م. الملك مرنبتاح، ملك مصر (1236 ـ 1223)، يصد هجوم شعوب البحر والليبيين ويدون على مسلاته أنه هاجم شعب (إسرائيل) وقضى عليه في (1231)
  • 1167 ق.م ـ وفاة رمسيس الثالث (1198 ـ 1167) آخر ملوك مصر العظام وضعف الدولة المركزية والكهنه وحكام الأقاليم يسيطرون على مصر وبداية العصر المتأخر
  • 750 ق.م. الملك كاشتا ملك الجنوب يصل للحكم ويعلن نفسه ملكا على البلاد وابن للاله آمون.
  • 671 ق.م. الحروب مع الاشوريين.
  • 661 ق.م. طرد المصريون للآشوريون على يد ابسماتيك الأول.
  • 601 ق.م الملك نخاو الثاني يصد الغزو البابلى الحرب المصرية البابلية
  • 525 ق.م. الاخمينيون يغزون مصر وحكموها لسنة 405 ق م.
  • 405 ق.م. طرد المصريون للفرس على يد ايميريتى
  • 343 ق.م. الفرس يحتلون مصر مرة ثانية حتي 332 ق م.
  • 332 ق.م. الإسكندر الأكبر يغزو مصر ويؤسس الإسكندرية.
  • 323 ق.م. بداية حكم البطالمة.
  • 30 ق.م. كليوباترا السابعة تنتحر - نهاية حكم البطالمة وبداية حكم الرومان.
  • 330 م حكم البيزنطيين الروم لمصر.
  • 641 م دخول الإسلام مصر بعد 33 سنة من ظهوره بمكة.

 

لم تكن حضارة قدماء المصريين فلتة حضارية في عمر الزمن. لأن حضارتهم كانت منفردة بسماتها الحضارية وإنجازاتها الضخمة وأصالتها. وهذا ما أضفي عليها مصداقية الأصالة بين كل الحضارات. مما جعلها أم حضارات الدنيا بلا منازع. وهذه الحضارة أكثر مكوثا وانبهارا وشهرة بين حضارات الأقدمين. فلقد قامت حضارة قدماء المصريين The Ancient Egyptians Civilization بطول نهر النيل بشمال شرق أفريقيا منذ سنة 5000 ق.م. إلي سنة 30 ق.م.. وهي أطول حضارة استمرارية بالعالم القديم، ويقصد بالحضارة المصرية القديمة من الناحية الجغرافية تلك الحضارة التي نبعت بالوادي ودلتا النيل حيث كان يعيش المصريون القدماء. ومن الناحية الثقافية تشير كلمة الحضارة للغتهم وعباداتهم وعاداتهم وتنظيمهم لحياتهم وإدارة شئونهم الحياتية والإدارية ومفهومهم للطبيعة من حولهم وتعاملهم مع الشعوب المجاورة وهم أول شعب استأنس القطط.

ويعتبر نهر النيل الذي يدور حوله حضارة قدماء المصريين بنبع من فوق هضاب الحبشة بشرق أفريقيا ومنابع النيل بجنوب السودان متجها من السودان شمالا لمصر ليأتي الفيضان كل عام ليغذي التربة بالطمي. وهذه الظاهرة الفيضانية الطبيعية جعلت اقتصاد مصر في تنام متجدد معتمدا أساسا علي الزراعة. ومما ساعد عل ظهور الحضارة أيضا خلو السماء من الغيوم وسطوع الشمس المشرفة تقريبا طوال العام لتمد المصريين القدماء يالدفء والضوء. كما أن مصر محمية من الجيران بالصحراء بالغرب والبحر من الشمال والشرق ووجود الشلالات (الجنادل) جنوبا بالنوبة على النيل مما جعلها أرضا شبه مهجورة. وفي هذه الأرض ظهر اثنان من عجائب الدنيا السبع. وهما الأهرامات بالجيزة ومنارة الإسكندرية. وكانت نبتة أقدم موقع أثري بالنوبة. وكان منذ 6000 سنة منطقة رعوية تسقط بها الأمطار الصيفية ترعي بها الماشية حتي منذ 4899 سنة عندما إنحسرت عنها الأمطار. اكتشف بها دوائر حجرية وقد قام بالمنطقة مجتمعات سكانبة من بينها قرية كان يمدها 18 بئر بالمياه تحت سطح بلاطات بناء ميجوليثي كبير عبارة عن تمثال يشبه بقرة نحت من صخرة كبيرة. وكانت تتكون القرية من 18 بيتا. وبها مدافن كثيرة للمواشي حيث عثر علي هياكلها في غرف من الطين. وهذا يدل علي أن السكان كانوا يعبدون البقر. ووجد مواقد كانت تستعمل. وعظام غزلان وأرانب برية وشقف فخار وقشر بيض نعام مزخرف. لكن لايوجد مدافن أو مخلفات بشرية في نبتة. وهذا يدل أن البدو كانوا رحلا يأتون لنبتة كل صيف حيث الماء والكلأ. والزواج والتجارة وإقامة الطقوس الدينية.

في مجال علوم الفلك نجد أن قدماء المصريين قد أقاموا أقدم مرصد في العالم وقبل عصر بناء الأهرامات منذ فترة زمنية حسب الشمس والنجوم حيث أقاموا الشواهد الحجرية ميجاليثات Megaliths. وهي عبارة عن دائرة من الحجر أقيمت منذ 7000 سنة في الصحراء الجنوبية بمصر. قبل إقامة مواقع الميجاليثات بإنجلترا وبريطانيا وأوروبا بألف سنة كموقع ستونهنج الشهيرة.

وقد اكتشف موقع نبتة منذ عدة سنوات ويتكون من دائرة حجرية صغيرة. وبه عظام ماشية وخمس خطوط من الحجارة المائلة والبلاطات الحجربة التي كشف عنها مائلة على بعد ميل من الموقع وبعضها بارتفاع 9 قدم. وكل بلاطة مدفونة بالتربة وهي فوق صخرة منبسطة. وهذا الموقع يتجه للجهات الأصلية الأربعة ويحدد الاعتدال الشمسي. وبالموقع دائرة حجرية صغيرة بها عظام الماشية وخمسة خطوط من ميجوليثات مائلة. وكان هذا الموقع قد بني علي شاطيء بحيرة يتجمع بها ماء المطر صيفاً وقتها. حيث كانت قطعان المواشي تُقاد إلى نبتة في العصر الحجري الحديث منذ 10 آلاف سنة. وكان البدو الرعاة يفدون إليها في موسم أمطار حتي منذ 4800 سنة حيث إنحسرت الرياح الموسمية باتجاه جنوب غلاب لتصبح المنطقة جرداء. وكانت هذه الدائرة الصغيرة قطرها 12 قدم تضم أربعة مجموعات من البلاطات القائمة حيث يمكن رؤية الأفق. وكانت مجموعتان تتجها ناحية الشمال والجنوب والمجموعتان الأخريتان تتجها ناحية أفق الاعتدال الشمسي الصيفي. وسلالة هؤلاء بعد 2000 سنة قد نزحوا ل وادي النيل وأقاموا الحضارة المصرية القديمة ولاسيما بعدما أقفرات هذه المنطقة الرعوية وتغير مناخها. واستقروا سنة 4000 ق.م. بمصر العليا ولاسيما في نيخن القديمة ونقادة وأبيدوس (أنظر : بداري). وهذا الاستقرار المكاني جعل قدماء المصريين يبدعون حضارتهم ومدنيتهم فوق أرضهم. فأوجدوا العلوم والآداب والتقاليد والعادات والكتابات والقصص والأساطير وتركوا من بعدهم تسجيلات جدارية ومخطوطة على البردي لتأصيل هذه الحضارة المبتكرة. فشيدوا البنايات الضخمة كالأهرامات والمعابد والمقابر التي تحدت الزمن. علاوة علي المخطوطات والرسومات والنقوشات والصور الملونة والتي ظلت حتي اليوم.

وكانوا يعالجون نبات البردي ليصنعوا منه اطماره الرقيقة وكتبوا عليها تاريخهم وعلومهم وعاداتهم وتقاليده لتكون رسالة لأحفادهم وللعالم أجمع. فكانوا يكتبون عليها باللغة الهيروغليفية وهي كتابة تصويرية التي فيها الرمز يعبر عن صورة معروفة. وابتدعوا مفاهيم في الحساب والهندسة ودرسوا الطب وطب الأسنان وعملوا لهم التقويم الزمني حسب ملاحظاتهم للشمس والنجوم. ورغم أن قدماء المصريين كانوا يعبدون آلهة عديدة إلا ان دعوة التوحيد الإلهي ظهرت علي يد الملك إخناتون كسمة عقائدية. كما أنهم أول من صوروابتدع عقيدة الحياة الأخروية. وهذه المفاهيم لم تكن موجودة لدي بقية الشعوب. وبنوا المقابر المزينة والمزخرفة وقاموا بتأثيثها ليعيشوا بها عيشة أبدية. وكانت مصر القوة العظمي بالعالم القديم وكان تأثيرها السياسي في أحيان كثيرة يمتد نفوذه لدول الجوار شرقا في آسيا وغربا بأفريقيا. وجنوبا بالنوبة وبلاد بونت باليمن. وكان قدماء المصريين يطلقون علي أرضهم كيمت Kemet أي الأرض السوداء لأن النيل يمدها بالطمي وكان يطلق عليها أيضا ديشرت Deshret أي الأرض الحمراء إشارة للون رمال الصحراء بها التي تحترق تحت أشعة الشمس. وكانت وفرة مياه الفيضان قد جعلهم يفيمون شبكة للري والزراعة وصنعوا القوارب للملاحة والنقل وصيد الأسماك من النهر. وأعطتهم الأرض المعادن والجواهر النفيسة كالذهب والفضة والنحاس. وكانوا يتبادلون السلع مع دول الجوار. وتاريخ مصر نجده يبدأ منذ سنة 8000 ق.م. في منطقة جنوب شرق مصر عند الحدود السودانية الشمالية الشرقية. وقد جاءها قوم رعاة وكانت هذه المنطقة منطقة جذب حيث كان بها سهول حشاشية للرعي ومناخها مضياف وكان بها بحيرات من مياه الأمطار الموسمية. وآثارهم تدل علي أنهم كانوا مستوطنين هناك يرعون الماشية. وخلفوا من بعدهم بنايات ضخمة في سنة 6000 ق.م.

وقد بدأت الزراعة في بلدة البداري منذ ستة 5000 ق.م. وكان بالفيوم مستوطنين يزرعون قبل البداري بألف سنة. وكانت مدينة مرميد بالدلتا علي حدودها الغربية منذ سنة 4500 ق.م. وفي مدينة بوتو ظهرت صناعة الفخار المزخرف يختلف عن طراز الفخار في مصر العليا. وكان هناك اختلاف بين المصريين القدماء ما بين مصر العليا ومصر السفلي في العقيدة وطريقة دفن الموتي والعمارة.وجاء الملك مينا عام 3100 ق.م. ووحد القطرين (مصر العليا ومصر السفلي). وكان يضع علي رأسه التاجين الأبيض يرمز للوجه القبلي والأحمر للوجه البحري. وجعل الملك مينا منف Memphis العاصمة الموحدة وكانت تقع غرب النيل عند الجيزة وأبيدوس المقبرة الملكية والتي انتقلت لسقارة إبان عصر المملكة القديمة. أنظر: أهرام. وكان عدد سكان مصر قبل عصر الأسرات(5000ق.م. – 3000ق.م.) لايتعدي مئات الالآف وأثناء المملكة القديمة (2575ق.م. – 2134 ق.م.) بلغ عددهم 2مليون نسمة وإبان المملكة الوسطي (2040 ق.م. – 1640 ق.م.) زاد العدد وأثناء المملكة الحديثة (1550 ق.م. – 1070 ق.م.) بلغ العددمن 3- 4مليون نسمة. وفي العصر الهيليني (332 ق.م.- 30 ق.م.) بلغ العدد 7مليون نسمة. وبعدها دخلت مصر العصر الروماني. وكان المصريون يجاورون النهر. لأنها مجتمع زراعي وكانت منف وطيبة مركزين هامين عندما كانت كل منهما العاصمة. والتعليم والكتابة كان مستقلا في مصر القديمة وكانت الكتابة والقراءة محدودتين بين نسبة صغيرة من الصفوة الحاكمة أو الكتبة في الجهاز الإداري. وكان أبناء الأسرة الملكية والصفوة الحاكمة يتعلمون بالقصر. وبقية أبناء الشعب كانوا يتعلمون في مدارس المعابد أو بالمنزول. وكان تعليم البنات قاصرا علي الكتابة والقراءة بالبيت. وكان المدرسون صارمين وكانوا يستعملون الضرب. وكانت الكنب المدرسية تعلم القراءة والكتابة وكتابة الرسائل والنصوص الأخرى. وكانت المخطوطات تحفظ في بيت الحياة وهو دار الحفظ في كل معبد وأشبه بالمكتبة.وكان المتعلمون في مصر القديمة يدرسون الحساب والهندسة والكسور والجمع والطب. ووجدت كتب في الطب الباطني والجراحة والعلاج الصيدلاني والبيطرة وطب الأسنان. وكانت كل الكتب تنسخ بما فيها كتب الأدب والنصوص الدينية.

وكان حجر رشيد قد إكتشف عام 1799 إبان الحملة الفرنسية وقد نقش عام 196 ق.م. وعليه ثلاث لغات الهيروغليفية والديموطقية (القبطية ويقصد بها اللغة الحديثة لقدماء المصريين) والإغريقية. وكان وقت اكتشافه لغزا لغويا لايفسر منذ مئات السنين. لأن اللغتين الأولتين كانتا وقتها من اللغات الميتة. حتي جاء العالم الفرنسي جيان فرانسوا شامبليون وفسر هذه اللغات بعد مضاهاتها بالنص الإغريقي ونصوص هيروغليفية أخرى. وهذا يدل علي أن هذه اللغات كانت سائدة إبان حكم البطالمة الإغريق لمصر لأكثر من 150 عاما. وكانت الهيروغليفية لغة دينية متداولة في المعابد واللغة الديموطيقية كانت لغة الكتابة الشعبية والإغريقية لغة الحكام الإغريق. وكان محتوي الكتابة تمجيدا لفرعون مصروإنجازاته الطيبة للكهنة وشعب مصر. وقد كتبه الكهنة ليقرأه العامة والخاصة من كبار المصريين والطبقة الحاكمة. واستطاع شامبليون فك شفرة الهيروغليفية عام 1822 ليفتح أفاق التعرف علي حضارة قدماء المصريين وفك ألغازها وترجمة علومها بعد إحياء لغتهم بعد مواتها عبر القرون.وكانت الهيروغليفية وأبحديتها تدرس لكل من يريد دراسة علوم المصريات. ثم تطورت الهيروغليفية للهيراطقية ثم للديموطقية ثم للقبطية.

وكان لقدماء المصريين تقويمهم الزمني منذ مرحلة مبكرة وكان يعتمد علي ملاحظانهم للشمس والنجوم بالسماء ومواعيد فيضان النيل في كل عام. وكانوا يستعملون تقويمهم في تسجيل الأحداث التاريخية وجدولة أعيادهم ونأريخ القرارات الملكية. وكان أول محاولة لصنع تقويم عام 8000 ق.م. عندما صنع الدوائر الحجرية (أنظر: آفبيريستونهنج) في ركن بأقصي جنوب غربي مصر حاليا. وكانت تستخدم لمراقبة النجوم وحركاتها. وقسموا اليوم 24 ساعة (12 نهار و12 ليل)والأسبوع 10 أيام والشهر 3 أسابيع أو 30 يوم. والسنة 12 شهر. وكانت تقسم لثلاثة فصول كل فصل 4 شهور. وكانت السنة تعادل 360 يوم. وكان قدماء المصريين يضيفون بعدها 5 أيام كل يوم من هذه الأيام الخمسة تشير لعيد ميلاد إله. وبهذا تكون السنة الفرعونية كاملة 365 يوم. وهي تقريبا تقارب السنة الشمسية حاليا ماعدا ربع يوم الفرق في كل سنة شمسية ولم يكن يعرفون إضافة يوم كل 4 سنوات.

وقام قدماء المصريين بالغديد من الأعمال الإبداعية المبتكرة والمذهلة للعالم سواء في التحنيط (مادة)والموسيقى والنحت والأدب والرسم والعمارة والدراما. وبعد توحيدها أيام مبنا أصبحت العقيدة الدينية لها سمات رسمية من التعددية في الآلهة والإلهيات وكانت البيئة لها تأثيرها علي الفكر الديني والعبادات الفرعونية حيث إتخذت الآلهة أشكالا بشرية أو حيوانية أو خليطا منها. وهذه الأشكال جسدفيها قدماء المصريين قوي الطبيعة وعناصرها.وتأليف الأساطير والقصص حول آلهتهم وعالمهم لفهم التداخل المعقد في الكون من حولهم. ولعبت العقيدة الدينية دورا كبيرا في حياتهم وكان لها تأثيرها علي فنونهم وعلي فكرهم عن الحياة الأخروية وفكرة البعث والنشور وعلاقاتهم بحكامهم. وكان الفن التشكيلي كالنحت والرسم بالأبعاد الثنائية علي جدران المعابد والمقابر وأكفان الموتي وتوابيت الموتي وورق البردي. وكان الفنانون المصريون يجسمون الصور الشخصية بملامحها التعبيرية متحطين معدل الزمن والفراغ في هذه الصور اتعبر عن الخلودمن خلال الرسومات الهيروغليفية التي تصاحبها وتكون جزءا من العمل الفني الرائع. وكان يوضع اسم صاحب التمثال علي القاعدة أو بجانبه.

والأهرامات نجدها تعبر عن عظمة العمارة لدي قدماء المصريين. وهذه الأوابد الضخمة مقابر لها أربع جدران مثلثة تتلاقي في نقطة بالقمة وهي تمثل التل البدائي أصل الحياة في أساطير الخلق أو تمثل أشعة الشمس القوية. ولقد بنوا حوالي 100 هرم كملاذ وبيت راحة لحكامهم بعد الموت. وكانت المعابد مربعة الشكل باتجاه شرق غرب علي خط شروق وغروب الشمس.وكان قدماء المصريين يعتقدون أن نموذج المعبد الذي يبنيه البشر يمكن أن يكون بيئة طبيعية مناسبة للآلهة. وقد استفاد الأغريق من قدماء المصريين في النحت والعمارة والفلسفة والإلهيات (أنظر : أمنحتب).. فلقد كان المصريون القدماء سادة فنون الأعمال الحجرية والمعدنية وصنع الزجاج العادي والملون. وكشف التنقيب عن آثار عصر ماقبل التاريخ بمصر منذ 6000 سنة ق.م. وجود مواقع أثرية علي حدود مصر الجنوبية مع السودان حيث عثر بها علي أماكن دفن وإقامة الأعباد والاحتفالات ومقابر للماشية مما يدل علي تقديسها. وعثر بالمقابر البشرية علي مشغولات يدوية وأسلحة وأوان ترجع لهذه الحقبة مما يدل علي وجود عقيدة ما بعد الموت. وكانت عقيدة قدماء المصريين تقوم علي الشمس ممثلة في عقيدة رع وحورس وأتون وخبري. والقمر ممثلا في عقيدة توت وخونسو والأرض ممثلة في عقيدة جيب. وكانت نوت ربة السماء وشوو تفنوت إلها الريح والرطوبة. وأوزوريس وإيزيس حكام العالم السفلي. ومعظم هذه الآلهة دارت حولهم الأساطير. وأصبح رع وآمون بعد اندماجهما يمثلان عقيدة آمون - رع كملك الآلهة.

وكان هناك آلهة محلية تعبد خاصة بكل إقليم بمصر. وكان الملك الكاهن الأكبر يمارس الطقوس في الأعياد والكهنة كانوا يؤدونها في الأيام العادية بالمعابد. وكان عامة الشعب لايدخلونها إلا لخدمتها. وكان المصريون يهتمون بالحياة بعد الموت ويقيمون المقابر ويزينونها ويجهزونا بالصور والأثاث. وكانوا بعد الموت يهتمون بتحنيط (مادة) الميت. وكانوا يضعون في الأكفان التعاويذ والأحجبة حول المومياء. وكانوا يكتبون نصوصا سحرية فوق قماشه أو علي جدران المقبرة وأوراق البردي لتدفن معه. وكانت هذه النصوص للحماية ومرشدا له في العالم السفلي.

وفي مصر القديمة كان الملك هو الحاكم المطلق والقائد الروحي والصلة بين الشعب والآلهة. وكان يعاونه الوزير والجهاز الإداري ويتبعه الكهان. وكان الملك قائد الجيش وقواده وكان الجيش جنوده من المصريين في عمر الخامسه والعشرين حتى اربعين عام. وكان الحكم وراثيا بين الأبناء في معظم الوقت باستثناء حورمحب (1319 ق.م.)الذي كان قائدا ورمسيس الأول الذي خلفه لم يكن من الدم الملكي. وقلما كانت امرأة تحكم مصر ماعدا حتشبسوت التي حكمت في الأسرة 18 بعد وفاة زوجها تحتمس الثاني عام 1479 ق.م. وتقاسمت الحكم مع تحتمس الثالث. وكان المصريون يعتقدون أن مركز الملك إلهي والملك إله. وبعد موته تؤدي له الطقوس ليظل إله. وكان يلقب عادة بمالك وملك الأرضين مصر العليا ومصر السفلي (الدلتا بالشمال والوادي بالجنوب. وكان اقتصاد مصر قوم علي الزراعة معتمدة علي النيل الذي كان يمدمصر بالمياه والمحاصيل المتنوعة كالحبوب ولاسيما الشعير والقمح والفاكهة والخضروات.وممعظم الأراضي الزراعية كانت ملكا للملك والمعابد. وكان الشادوف وسيلة الري بعد انحسار الفيضان. ولقد إكتشفت مومياوات عديدة محفوظة تم العثور عليها في كل أنحاء العالم بكل القارات حيث إتبع التحنيط mummification بكل القارات.و كلمة مومياء أصلها الكلمة الهيروغليفيه "مم"التي تعني شمع أو القار والذي كان يستخدم في عمليات التحنيط. وقد إشتُقت منها لاحقا الكلمه Mummy واانتشرت بعد ذلك إلى اللغات الهندواوروبيه. وهذه الكلمة مومياء تطبق علي كل البقايا البشرية من أنسجة طرية. والتحنيط قد يكون موجودا في كل قارة لكن الطريقة ترتبط بطريقة قدماء المصريين لهذا ينسب إليهم. وكانت أول دراسة للمومياوات كانت في القرن 19. وليس المومياوات المصرية مجرد لفائف من قماش الكتان تلف بها الأجساد الميتة فقط. ولكنها طريقة لوجود بيوت دائمة للأرواح. وهذه طريقة تحايلية علي الموت.

 

    

 

ماذا كانت ديانة أهل مصر عند قدوم عمرو بن العاص ؟

 

 

يعتقد البعض أن أهل مصر كانوا يدينون بديانة وثنية عندما جاء عمرو بن العاص إلي مصر فاتحاً عام 641م. و هو خطأ تاريخي شائع. فأهل مصر كانوا يعتنقون المسيحية قبل دخول الإسلام. و لقد سبق دخول المسيحية دخول الإسلام مصر بحوالي 600 سنة.

دخلت المسيحية مصر علي يد مرقص الرسول عام 55 م. و مرقص هو واحد من سبعين رسول اختارهم السيد المسيح للتبشير بالمسيحية في كل أنحاء العالم.

 جاء مرقص إلي مصر و أقام بالأسكندرية، و قام بكتابة أحد الأناجيل المعترف بها حالياً و هو إنجيل مرقص سنة 58 م. كما أنشأ المدرسة الإكليريكية لتعليم الدين في الأسكندرية سنة 61 م. و قام المسيحيون ببناء أول كنسية للمسيحية في مصر في مدينة الأسكندرية،  و كان مرقص هو أول بطريرك للكنيسة. لذلك تسمي بالكرازة المرقصية.

 و لكن المسيحيون الذين اتبعوا مرقص الرسيول ما لبثوا أن تعرضوا للإضطهاد علي يد الرومان الوثنيين الذين قبضوا علي مرقص الرسول و سجنوه و عذبوه حتي مات سنة 68 م. و توجد رأسه حالياً بالكنيسة المرقسية في الأسكندرية.

 

البابا كيرلس السادس يتسلم رفات رأس القديس مرقص من الفاتيكان عام 1968م

 

تعرض المسيحيون في مصر للإضطهاد علي يد الرومان الوثنيين، و بلغ الاضطهاد ذروته في عهد الإمبراطور الروماني دقليديانوس عام 284 م، لذلك سمي عصره بعصر الشهداء لكثرة ضحايا الاضطهاد، و به يبدأ التأريخ القبطي.

و ظلت الأمور علي هذه الحال حتي تولي الإمبراطور قسطنطين العرش في روما سنة 306 م، و اعتنق المسيحية عام 313 م، و بذلك انتهي عصر اضطهاد المسيحيين في مصر لفترة قصيرة.

بعد أن أصبحت الديانة المسيحية هي الديانة السائدة في كل أنحاء الإمبراطورية الرومانية و منها مصر، بدأت بوادر الانشقاق في صفوف الكنيسة عندما دعا الإمبراطور قسطنطين لاجتماع مختلف رجال الدين من كل أنحاء الإمبراطورية للاتفاق علي تحديد طبيعة السيد المسيح.

و كان أريوس في الأسكندرية قد بدأ في الدعوة لمذهبه القائم علي عدم إلوهية السيد المسيح، فقام البطريرك الاكسندروس بتجريده من منصب الكهنوت، و أُحرقت كتبه و شطبت تعاليمه.

و ظل الاختلاف سائد في الإمبراطورية بين ثلاث فرق، فرقة بزعامة أريوس تقول بإنسانية السيد المسيح و ترفض ألوهيته، و فرقة ثانية يتزعمها الإمبراطور قسطنطين تقول بأن المسيح له طبيعتان دون اندماج هما طبيعة إلاهية و أخري إنسانية، و الفرقة الثالثة متمثلة في الكنيسة في مصر و الشام تقول بأن المسيح له طبيعة واحدة هي طبيعة إلاهية.

و كانت اللحظة الفاصلة في تاريخ الكنيسة المسيحية هو اجتماع رجال الدين المسيحي في مجمع خلقدونية الذي عقد عام 451 م لتحديد بصفة نهائية طبيعة السيد المسيح.

و كان نتيجة التصويت الذي حدث في المجمع انتصار الفرقة التي تقول بطبيعتين للمسيح، واحدة إلاهية و أخري إنسانية. و لكن الكنيسة الشرقية في مصر و الشام التي كانت تقول بوحدة طبيعة المسيح الإلاهية رفضت قرارات المجمع، و انفصلت عن كنيسة روما و كونت الكنيسة الأرثوزكسية، بينما كونت الفرقة الثانية المنتصرة في المجمع الكنيسة الكاثوليكية في روما.

 أما أتباع فريق طبيعة المسيح الإنسانية فقد تعرضوا للاضطهاد في كل أنحاء الإمبراطورية و رفضت تعاليمهم من قبل الإمبراطورية الرومانية التي وضعت ثقلها خلف المذهب القائل بوجود طبيعتين للمسيح.

و نتيجة لهذا الانقسام الذي حدث في الكنيسة عاد الرومان إلي اضطهاد المصريين المخالفين لهم في المذهب، و ظلت الأمور كذلك حتي جاء عمرو بن العاص لمصر فاتحاً عام 641 م، فأطلق للمسيحيين حرية الاعتقاد بمذهبهم، و أوقف سياسة الاضطهاد و المطاردات لرجال الدين الميسحي.

 المراجع:

-          النجوم الزاهرة في ملوك مصر و القاهرة، أبو المحاسن يوسف بن تغري بردي، تعليق محمد حسين شمس الدين، دار الكتب العلمية، بيروت ، 1992 م

-          مشاكل الأقباط في مصر و حلولها، نبيل لوقا بباوي، 2001

-          موجز تاريخ المسيحية، الأنبا ديوسقورس، مكتبة المحبة، 2003

 

 

فتح مصر و ولاية عمرو بن العاص 641م 

 

كان أهل مصر علي عهد لدولة البيزنطية يعيشون في ظلم مرير، فالمسيحيون المصريون الذين كانوا علي مذهب يعقوب البردعي الذي يقوم علي مبدأ وحدة طبيعة المسيح الإلاهية قد تعرضوا للاضطهاد من قبل الروم البيزنطيين الذي كانوا علي مذهب الملكاتي الذي يقوم علي مبدأ ثنائية طبيعة المسيح.

كان عمرو بن العاص قد زار مصر من قبل في تجارة له، و عندما تولي عمر بن الخطاب رضي الله عنه الخلافة، فاتحه عمرو في أمر فتح مصر أكثر من مرة، حتي وافقه عمر . فسار بجيش مكون من 4 آلاف رجل و عبر بهم من فلسطين إلي العريش  و مر ببئر المساعيد حتي انتهي إلي الفرما و هي ميناء صغير علي البحر يسمي عند الروم Pelusiun  و تقابل هناك مع حامية روميةـ و دار قتل شديد حتي انتصر المسلمون، ثم واصلوا السير إلي داخل مصر حتي وصلوا إلي بلبيس في دلتا مصر في مارس 640 م / ربيع أول 19 هج .

و في بلبيس تقابل جيش المسلمين مع جيش الروم بقيادة Arteon   الذي سماه العرب أرطبون،  و انتصر المسلمون بعد قتال دام شهر و استولوا علي بلبيس ثم تقدموا إلي حصن بابليون. و كان الحصن فيه حامية رومية كبيرة و يقع في منطقة تسمي مدينة مصر، و هي منطقة مزارع من قري و حدائق تتصل جنوباً بمدينة منف في الجيزه علي الضفة الغربية للنيل. كان حصن بابليون شديد المنعة، فارسل عمرو بن العاص يطلب مدداً من الخليفة عمر بن الخطاب.

أقام عمرو في الفيوم للتزود بالمؤن و انتظار المدد العسكري من الحجاز لمحاصرة و اقتحام الحصن. و وصل المدد من الخليفة عمر بن الخطاب قوامه أربعة آلاف رجل و علي رأسهم أربعة من كبار الصحابة هم الزبير بن العوام و مسلمة بن مخلد و عبادة بن الصامت و المقداد بن الأسود. فتسني لعمرو بن العاص  ترتيب صفوفه و اتجه لملاقاة جيش الروم الذي كان يقدر ب20 ألف جندي. و تقابل الجيشان في موقعة كبري هي عين شمس عام 640 م / 19 هج ، و انتصر عمرو بن العاص انتصاراً كبيراً ، و فر من بقي من جيش الروم إلي داخل حصن بابليون.

توجه عمرو بن العاص بجيشه إلي حصن بابليون و حاصره 7 أشهر متواصلة . فأرسل المقوقس  إلي عمرو بن العاص يفاوضه يعرض فيها عليه مبلغاً من المال نظير رجوع المسلمين لبلادهم ، و لكن عمرو بن العاص رفض و قال له ليس بيننا و بينكم إلا ثلاث خصال : الإسلام أو الجزية أو القتال .

 

خريطة فتح مصر

فأشار المقوقس علي الحامية الرومانية التسليم و الصلح، و لكن الحامية رفضت و كذلك الإمبراطور الروماني هرقل الذي قام بعزل المقوقس عن حكم مصر، فتجدد القتال و شدد المسلمون الحصار علي الحصن ، و في أبريل 641 م استطاع الزبير بن العوام تسلق سور الحصن و معه نفر من جند المسلمين و كبروا، فظن الروم أن العرب اقتحموا الحصن فتركوا أبواب الحصن و هربوا إلي الداخل، فقام المسلمون بفتح باب الحصن، و  استسلم الروم و طلبوا الصلح فاجابهم عمرو بن العاص سنة 641 م / 20 هج.

بعد سقوط حصن بابليون فقد الروم معظم مواقعهم في مصر، و لكن مازالت عاصمتهم المزدهرة الأسكندرية في أيديهم. و لقد رأي عمرو بن العاص أن مصر لن تسلم من غارات الروم طالما بقيت الأسكندرية في حوزة الروم،  فاتجه بجيشه إلي الأسكندرية و فرض عليها حصار بري استمر لمدة أربعة أشهر، ولكن هذا الحصار لم يكن مجدي لأن المواصلات بينها و بين الإمبراطورية الرومانية عن طريق البحر ظلت مفتوحة لولا موت الإمبراطور الروماني و حدوث فتن و اضطرابات عمن يخلفه.

فقرر عمر بن العاص اقتحام المدينة و عهد إلي عبادة بن الصامت بذلك ، فنجح في اقتحام  المدينة بجنده، و جاء المقوقس إلي الأسكندرية و وقع علي معاهدة الأسكندرية مع عمرو بن العاص  سنة 642 م / 21 هج، وكانت تنص علي انتهاء حكم الدولة البيزنطية لمصر و جلاء الروم عنها و دفع الجزية للمسلمين دينارين في السنة عن كل شخص و إعفاء النساء و الأطفال و الشيوخ منها. و كان تعداد مصر في ذلك الوقت من ستة إلي ثمانية ملايين قبطي علي أرجح الأقوال. و كان عدد من تجب عليهم الجزية من مليون إلي اثنين مليون قبطي.

و بعد أن استتب الأمر لعمرو بن العاص في الأسكندرية، أرسل عقبة بن عامر إلي النوبة لفتحها و لكنه لم يستطع لشدة مقاومة أهلها الذين كانوا مهرة في النبال، و كانوا يوجهون نبلهم إلي عيون جنود الأعداء فسموا رماة الحدق.

عمرو بن العاص يتولي حكم مصر

بعد إتمام فتح مصر، ولي عمر بن الخطاب عمرو بن العاص علي مصر. و عندما استتب له الأمر في الاسكندرية عاد إلي موضع فسطاطه عند حصن بابليون و شرع في بناء عاصمة لمصر بدلاً من الأسكندرية لأن الخليفة عمر بن الخطاب أمره أن يختار عاصمة لا تكون بينها و بينه ماء.

اختار عمرو بن العاص موقعاً بالقرب من حصن بابليون غرب جبل المقطم ليبني حاضرته الجديدة  و أسماها الفسطاط و تعني الخيمة.

ثم سار عمرو بن العاص بجيشه تجاه برقة و كان يسكنها البربر الذين عانوا طويلاً من الطغيان البيزنطي،  فتفاوض عمرو مع زعماء البربر الذين رحبوا بالفتح الإسلامي العربي و وافقوا علي دفع الخراج لعمرو و كان حوالي 13 ألف درهم و كان ذلك عام 643 م / 22 هج.

بعد ذلك أكمل عمرو بن العاص مسيرته إلي الغرب لفتح طرابلس، فدخل بنفسه مدينة طرابلس دون مقاومة سنة 643 م / 22 هج. و بعد تأمينها أرسل بعثة إلي ولاية فزان ( جنوب غرب ليبيا) بقيادة عقبة بن نافع ففتحها و كان بها أحد أقوي الحصون البيزنطية.

أعمال عمرو بن العاص في مصر

قام عمرو بن العاص بالشروع في بناء عاصمة لمصر الإسلامية بمجرد عودته من الأسكندرية بعد توقيع معاهدة الأسكندرية. و اسماها الفسطاط  نسبة إلي فسطاطه ( خيمته) التي نصبه عند دخوله مصر.

استمرت الفسطاط في الاتساع و الازدهار و أصبحت مركزاً للتجارة حتي أحرقها شاور وزير الخليفة الفاطمي العاضد خوفاً من استيلاء الصليبيين عليها سنة 1168 م

كما بني عمرو بن العاص أول مسجد  في مصر و إفريقيا و هو جامع عمرو بن العاص في وسط مدينة الفسطاط  سنة 642 م / 21 هج. و عندما بني المسجد لأول مرة كان له ستة أبواب، و به ساحة غير مسقوفة، و كانت أعمدته الداخلية من جذوع النخل و سقفه من الجريد. و يقال أنه وقف علي إقامة قبلته ثمانون رجلاً من الصحابة، منهم : الزبير بن العوام، و المقداد بن الأسود، و عبادة بن الصامت، و أبو الدرداء، و أبو ذر الغفاري.

كما أعاد عمرو بن العاص حفر القناة التي كانت تصل بين النيل و البحر الأحمر و سماها قناة خليج أمير المؤمنين.

قدم إلي مصر مع عمرو بن العاص  عدد كبير من الصحابة،  فتلقي عنهم أهل مصر الدين الإسلامي الجديد، و من هؤلاء الصحابة عبد الله بن عمرو بن العاص، و الزبير بن العوام، و المقداد بن الأسود، و عبادة بن الصامت، و عبد الله بن عمر بن الخطاب، و مسلمة بن مخلد.

و كانت دروس الفقه تعطي في مسجد عمرو، و المستمعون يجلسون في حلقة حول المدرس الذي يجلس مسنداً ظهره إلي أحد الأعمدة. و أشهر من علٌم بمصر من الصحابة بعد الفتح هو عبد الله بن عمرو بن العاص، و يعد مؤسس مدرسة مصر الدينية، إذ أخذ عنه كثير من أهلها.

دامت ولاية عمرو بن العاص الأولي علي مصر حوالي أربع سنوات، حتي عزله عثمان بن عفان. و لكنه سيعود لولاية مصر في عهد الخليفة الأموي معاوية بن أبي سفيان.

  

ولاية عبد الله بن أبي السرح لمصر

عندما تولي عثمان بن عفان الخلافة من بعد مقتل الخليفة عمر بن الخطاب عزل عمرو بن العاص، و ولي عبد الله بن سعد بن أبي السرح علي مصر سنة 24 هج. و يقال أن سبب العزل أن عمرو طلب من عثمان عزل عبد الله بن سعد عن ولاية صعيد مصر، فرفض عثمان و عزل عمرو و ولي عبد الله بن سعد بن أبي السرح ولاية مصر كلها.  

اختلفت سياسة عبد الله عن ولاية عمرو بن العاص فقد تشدد في جمع الضرائب و عامل المصريين بقسوة ترتب عليها أن حرض أهل الأسكندرية دولة الروم علي غزو مدينتهم . فعاد الروم يحتلون الأسكندرية و بعض مدن الوجه البحري، فبعث المصريون إلي الخليفة عثمان بن عفان يطلبون منه تكليف عمرو بن العاص بقتال الروم البيزنطيين. فاستجاب عثمان و أرسل عمرو بن العاص والياً علي الأسكندرية و أمره بقتال الروم ، و نجح عمرو في مهمته وطرد الروم سنة 25 هج / 646 م. 

كما أغار النوبيون علي مصر من الجنوب، فأعد عبد الله بن أبي السرح جيشاً بقيادة عقبة بن عامر و طردهم من حدود مصر ووصلت جيوشه إلي دنقلة من أرض السودان، و بعد قتال شديد انتصر المسلمون علي أهل دنقلة – الذين سماهم العرب الأساود. و عقد معاهدة البقط Pacton  سنة 31 هج و من بين شروطها ارسال 360 رجلاً من السود سنوياً لوالي مصر مقابل إرسال ما يحتاجونه من غلال. و تعهد أهل دنقلة بفتح بلادهم للمسلمين، و بني المسلمون مسجداً في دنقلة و تعهد الأساود بكنسه و رعايته و إيقاد القناديل فيه بالليل. 

استمرت ولاية عبد الله بن سعد حوالي عشر سنوات، حتي قُتل عثمان بن عفان عام 35 هج، و قام علي بن أبي طالب بعزل عبد الله و ولي قيس بن سعد بن عبادة.

  

ولاية قيس بن سعد بن عبادة

بعد مقتل عثمان بن عفان عام 35 هج،  اضطرب الأمر في كل الولايات الإسلامية و من بينها مصر، و انحازت فئة إلي معاوية بن أبي سفيان تطالب بدم عثمان و فئة أخري إلي علي بن أبي طالب. 

و قام علي بن أبي طالب بعزل عبد الله بن سعد من ولاية مصر، و ولي مكانه قيس بن سعد بن عبادة سنة 37 هج. و كان قيس من أدهي دواهي العرب، استطاع أن يستميل شيعة عثمان الذي كانوا يطالبون بدمه في مصر و علي رأسهم معاوية بن حديج، ليأمن مكرهم و مكيدتهم. كما استطاع أن يضبط الأمور في البلاد مدة ولايته.

 لذلك علم معاوية بن أبي سفيان أنه لن يستطيع أن يستولي علي مصر و يستقوي بها مع الشام ضد علي بن أبي طالب ما دام فيها قيس بن سعد. فأرسل إلي قيس يحاول أن يستميله إلي صفه. فتظاهر قيس أول الأمر بالمهادنة، و لكن التظاهر لم ينطلي علي معاوية ، فأغلظ له قيس في الرد و قال له في رسالة بعث بها إليه في دمشق:

” أما بعد، فالعجب من اغترارك بي با معاوية و طمعك في، تسُومني الخروج عن طاعة أولي الناس بالإمرة، و أقربهم للخلافة، و أقولهم للحق، و أهداهم سبيلاً، و أقربهم إلي رسوله وسيلة، و أوفرهم فضيلة، و تأمرني بالدخول في طاعتك، طاعة أبعد الناس من هذا الأمر، و أقولهم بالزور و أضلهم سبيلا، و أبعدهم من الله و رسوله وسيلة، و لد ضالين مضلين طاغوت من طواغيت إبليس، و أما قولك: معك أعنة الخيل و أعداد الرجال، لتشتغلن بنفسك حتي العدم”.

 و عندما علم معاوية أنه لن يستطيع أن يستميله، لجأ إلي المكيدة، فأطلق إشاعة في الشام أن قيس بن سعد قد بايعه. و انتشرت الإشاعة حتي وصلت إلي علي بن أبي طالب. فأشار عليه أصحابه أن يقوم بعزل قيس بن سعد عن مصر، مخافة أن يكون الخبر صحيح.

و بالفعل قام علي بن أبي طالب بعزل قيس عن ولاية مصر بعد أن دامت ولايته أربعة أشهر و خمسة أيام، و ولي عليها الأشتر النخعي.

 

ولاية الأشتر النخعي

ولي علي بن أبي طالب الأشتر النخعي علي مصر عام 37 هج. فأرسلت عيون معاوية بن أبي سفيان إليه بالخبر. و كان الأشتر مشهوراً بشجاعته و اقدامه و انحيازه لعليٌ في موقعة الجمل. فبعث معاوية بن أبي سفيان إليه من يقتله عند قدومه إلي مصر. و بالفعل مات الأشتر بسم دُس له في العسل.

 و عندما بلغ معاوية و عمرو بن العاص الخبر، قال معاوية – و قيل عمرو – ” إن لله جنوداً من عسل”.

 

ولاية محمد بن أبي بكر الصديق

بعد اغتيال الأشتر النخعي، ولي علي بن أبي طالب محمد بن أبي بكر علي مصر سنة 37 هج. و كان محمد  فتي في الخامسة و العشرين من عمره، قليل الخبرة. كما أنه لم يسمع نصيحة قيس بن سعد عن كيفية معاملة شيعة عثمان في مصر حتي لا يثوروا عليه.

لذلك وجد معاوية بن أبي سفيان أن الفرصة مواتية للانقضاض علي مصر. فأرسل جيشاً قوامه ستة آلاف رجل و علي رأسه عمرو بن العاص إلي مصر لانتزاعها من محمد بن أبي بكر.

 و تقابل جيش عمرو بن العاص و جيش محمد بن أبي بكر ، و دارت معركة طاحنة كانت الغلبة فيها أولاً لجيش محمد بن أبي بكر الذي كان يقوده كنانة بن بشر. و لكن انضمام شيعة عثمان في مصر بقيادة معاوية بن حديج إلي جيش عمرو  رجح كفته ، و قُتل كنانة بن بشر. و تفرق جيش محمد بن أبي بكر عنه، و وقع هو في أسر معاوية بن حديج الذي قتله شر قتلة، و أرسل رأسه إلي معاوية بن أبي سفيان في دمشق.

 و كان الأمويون و المتشيعون لعثمان يرون أن محمد بن أبي بكر كان من المحاصرين لبيت عثمان بن عفان و المشاركين في قتله، فقتلوه لذلك. 

و بذلك تملك عمرو بن العاص مصر مرة أخري من قبل معاوية بن أبي سفيان سنة 38 هج. 

و في عام 40 هج قُتل علي بن أبي طالب علي يد عبد الرحمن بن ملجم من الخوارج، و هو يدخل مسجد الكوفة ليصلي الفجر. و خلفه ابنه الحسن الذي تخلي عن البيعة لمعاوية بن أبي سفيان سنة 41 هج حقناً لدماء المسلمين. و بذلك اجتمعت الخلافة و البيعة لمعاوية بن أبي سفيان من كل المسلمين.

 

قيام الخلافة العباسية

الحقيقة أن البطش الشديد الذي مارسه الأمويون للقضاء علي ثورات المناصرين لعلي بن أبي طالب و الحسين بن علي و تنكيلهم بآل البيت قد أوغر صدور الكثيرين ضدهم. هذا بالإضافة إلي تعصب الأمويين ضد كل من هو ليس بعربي مما أهاج أهل فارس و خرسان و دفعهم للانضمام للدعوة الشيعية ليس مناصرةً لآل البيت و إنما نكاية في الأمويين و رغبة في الانتقام منهم.

 لذلك تجمع الناس حول دعاة الشيعة و خاصة ً في بلاد فارس. ثم انتقل لواء الدعوة الشيعية لبني العباس علي يد محمد بن علي بن عبد الله بن العباس، الذي استغل الدعوة الشيعية لحشد الناس ضد الأمويين بدعوي مناصرة حق الشيعة و آل البيت في الخلافة.

 و نودي بأبي العباس عبد الله بن محمد بن علي بن عبد الله بن العباس أميراً للمؤمنين لدولة بني العباس. و حمل لواء دعوة العباسيين في خراسان أبو مسلم الخرساني الذي أخذ يطوف بسكان خرسان يدعوهم للثورة ضد الحكم الأموي. فاستطاع في خلال أربع سنوات أن يجمع القبائل الفارسية و العجمية حوله. و في شوال 129 هج أصبحت الدعوة العباسية علنية، فرفعت الرايات السوداء رمز العباسيين. و استطاع أبو مسلم الخرساني أن يخضع خرسان كلها تحت حكمه. و بذلك وضع اللبنة الأولي للدولة العباسية.

 و في عام 132 هج أرسل أبو مسلم الخرساني جيشاً بقيادة قحطبة بن شيب إلي العراق فاستطاع هزيمة الأمويين و ضم العراق لدولة بني العباس الوليدة.

 ثم زحف العباسيون نحو دمشق مقر الخلافة الأموية، و ألتقوا بجيش الأمويين بقيادة مروان بن محمد الذي خرج لهم عند نهر الزاب في شمال العراق، و انتصر العباسيون، و فر الخليفة الأموي مروان بن محمد إلي مصر. و لكنه وقع في يد العباسيين الذين قتلوه و مثلوا به. و بذلك زالت الدولة الأموية و قامت الخلافة العباسية.

 

 ولاة مصر في العصر العباسي

 صالح بن علي بن عبد الله بن العباس( 133 هج )، ولي مصر من قبل الخليفة العباسي الأول عبد الله السفاح، بعد أن تتبع مروان بن محمد آخر خلفاء بني أمية إلي مصر و قتله في بلدة بوصير بالفيوم. مكث في ولايته علي مصر حوالي سبعة أشهر. ثم أمره الخليفة العباسي بتولي فلسطين و استخلاف أحد نوابه علي مصر، فاستخلف أبا عون عبد الملك بن يزيد.

 أبي عون عبد الملك بن يزيد ( 133 –  136 هج )، و أثناء ولايته ثار عليه أهل مصر في سمنود بالوجه البحري، فبعث إليهم جيشاً أخمد الثورة. بني مدينة العسكر ليسكنها عساكره. ثم عمرت و أصبحت مدينة لها أسواق و دور كبيرة. دامت ولايته ثلاث سنوات، ثم عزله الخليفة العباسي و ولي صالح بن علي مرة أخري.

 صالح بن علي ( 136 – 137 هج)، ولاه أبو جعفر المنصور علي مصر فمكث بها، حتي أمره الخليفة بالخروج إلي فلسطين، و ولي أبا عون مرة اخري علي مصر.

 أبي عون عبد الملك بن يزيد ( 137 – 141 هج)، مكث في ولايته ثلاث سنواتـ ثم عزله أبو جعفر المنصور و ولي علي مصر موسي بن كعب.

 موسي بن كعب ( 141 هج) تولي مصر أقل من عام، ثم عزله أبو جعفر المنصور  و ولي محمد بن الأشعث.

 محمد بن الأشعث ( 141 – 142 هج)، دامت ولايته سنة واحدة ثم عزله المنصور و ولي مكانه حميد بن قحطبة.

 حميد بن قحطبة ( 142 – 144 هج)، و دامت ولايته سنة و شهرين ، ثم عزله أبو جعفر المنصور و ولي يزيد بن حاتم.

 يزيد بن حاتم  ( 144 -  152 هج)، دامت ولايته حوالي ثماني سنوات. في عهده قامت فتنة الحجاز بقيادة محمد بن عبد الله بن الحسين بن الحسن بن علي بن أبي طالب، و يكني بمحمد النفس الزكية. فهو من العلويين. قد ثار ضد حكم أبي جعفر المنصور العباسي و حشد الناس خلفه في الحجاز. و تسربت دعوته لمصر فبايعه أهل مصر. و لكن أبا جعفر المنصور أرسل عيسي بن موسي لإخماد ثورته، فاقتحم عيسي بن موسي المدينة و قتل الكثيرين من جنده. و قتل ابن قحطبة محمد النفس الزكية و قطع رأسه و صلب جسده. و كان ذلك في 14 رمضان من عام 145 هج.

و في عهد يزيد بن حاتم أيضا،ُ ثار أهل مصر في مدينة سخا، فارسل إليهم جيشاً فهزموه. فعزله أبو جعفر المنصور و ولي مكانه عبد الله بن عبد الرحمن بن معاوية بن حديج.

 عبد الله بن عبد الرحمن بن معاوية بن حديج ( 152 – 155 هج)، دامت ولايته حوالي ثلاث سنوات، ولاه أبو جعفر المنصور بعد عزل يزيد بن حاتم، هو من بني أمية، و لكنه طلب الأمان من بني العباس، فأجابوه.

 محمد بن عبد الرحمن بن معاوية بن حديج ( 155 هج)، أوصي له أخوه بالولاية قبل موته، فلما مات تولي ولاية مصر بموافقة الخليفة أبي جعفر المنصور. و لكنه ما لبث أن مرض و مات في نفس السنة بعد ثمانية أشهر من بداية ولايته.

 موسي بن عُلي بن رباح ، ( 155- 161 هج)، ولاه أبو جعفر المنصور بناءً علي وصية محمد بن عبد الرحمن، ثار عليه أهل مصر، فحاربهم و كسر شوكتهم، عزله محمد المهدي لما ولي الخلافة بعد وفاة أبيه أبي جعفر المنصور، فدامت ولايته ست سنوات.

 عيسي بن لقمان، ( 161 – 162 هج)، دامت ولايته خمسة أشهر فقط، ثم عزله الخليفة المهدي.

 واضح المنصوري، ( 162 هج)، لما ولي مصر، شد علي الناس فشكوه إلي الخليفة العباسي، فعزله، و بذلك دامت ولايته أربعة أشهر.

 منصور بن يزيد، ( 162 هج)، دامت ولايته شهرين فقط.

 يحيي بن داود، ( 163- 164 هج)، دامت ولايته سنة و عدة أشهر، فرح المصريون بعزله لأنه كان شديد البأس، قاسياً.

 سالم بن سوادة، ( 164 هج)، دامت ولايته حوالي سنة، ثم عزله الخليفة المهدي.

 إبراهيم بن صالح، ( 165 – 167 هج)، تقاعص عن التصدي لثورة قام بها دحية بن المعصب بن الأصبغ بن عبد العزيز بن مروان الأموي في الصعيد، فاستفحل أمره، فعزله الخليفة المهدي عن مصر. دامت ولايته ثلاث سنوات.

 موسي بن مصعب، ( 167 – 168 هج)، عُرف بتشدده مع الناس، وزاد الخراج علي كل فدان الضعف، و فرض ضرائب علي الأسواق و الدواب، و ارتشي في الأحكام، فثارت عليه قيس و اليمانية، و انضم إليهم بقية أهل مصر، فلما خرج لقتالهم، لم يخرج معه أهل مصر، فهُزم و قُتل. فهي من أشهر ثورات أهل مصر ضد الولاة في العصر العباسي. يقول بن تغري في (النجوم الزاهرة) ” فكان موسي هذا من شر ملوك مصر، كان ظالماً غاشماً، سمعه الليث بن سعد يقرأ في خطبته: “إنا أعتدنا للظالمين ناراً أحاط بهم سرادقها”(الكهف 29)، فقال الليث : اللهم لا تقه منها.

 عسامة بن عمرو، ( 168 هج)، ولي مصر بعد مقتل موسي بن مصعب، حارب الأموي دحية المتحصن في الصعيد، و لكن لم ينتصر أي منهما، و بقي دحية متحصناً في الصعيد.

 الفضل بن صالح، ( 169 هج ) لما قدم مصر جهز جيشاً من الشام لحرب دحية الأموي، و وجهه إلي الصعيد، فانتصر جيش الفضل و قُبض علي دحية و سيق إلي الفسطاط، فضرب الفضل عنقه و صلب جثته. و بذلك انتهي أمر ثورة دحية الأموي التي استمرت حوالي اربع سنوات. و لكن الخليفة الهادي ابن المهدي عزله عن ولاية مصر و ولي علي بن سليمان.

 علي بن سليمان، ( 169 –171 هج )، بعد أن ولاه الخليفة الهادي توفي، و خلفه اخوه هارون الرشيد الذي أقره علي ولاية مصر. كان علي بن سليمان آمراً بالمعروف و ناهياً عن المنكر، منع في أيامه الملاهي و الخمور، و قام بهدم الكنائس فكلمه القبط في ذلك و أرادوا أن يعطوه مالاً ليدع الكنائس و لكنه أبي. عزله الخليفة هارون الرشيد لأنه سمع أنه يقول أنه أولي بخلافة المسلمين، فكانت ولايته علي مصر سنة و عدة أشهر.

 

 

صلاح الدين الأيوبي ليس أول من هزم الصليبيين 

  

صلاح الدين الأيوبي هو من حرر القدس  و طرد الصليبيين منها، و لكنه ليس أول من حقق انتصارات ضد الصليبيين، كما أنه لم يطرد الصليبيين نهائياً من الشام و فلسطين. 

صلاح الدين الأيوبي هو من أعظم الشخصيات ليس في تاريخ مصر فقط، و لكن في تاريخ المسلمين جميعاً في جميع أقطار الأرض. و هو من الشخصيات التاريخية المعدودة التي فاقت انجازاتها أي عيوب أو نواقص أخري. و أيضاً من الشخصيات التاريخية الإسلامية القليلة التي أجمع مؤرخي الغرب و الشرق معاً علي عظمتها و إنسانيتها مع الصديق و العدو علي حد سواء.

و لكن دور صلاح الدين في طرد الصليبيين من المشرق الإسلامي يجب أن يكون معروفاً و محدداً، و هو دور عظيم بالفعل، فلا يحتاج إلي تضخيم أو مبالغة.

و لكن الإسلام عرف قواد آخرين وجهوا ضربات موجعة و حققوا انتصارات كبيرة علي الصليبيين، و جدنا أنه من العدل أو الحرفية أن  نذكر جهادهم و ما حققوه من انتصارات كبيرة مهدت لضربة صلاح الدين أو جاءت بعده لتكمل طرد الصليبيين من المشرق الإسلامي كله.

الحقيقة أن أول من تصدي لأولي الحملات الصليبية غير المنظمة بقيادة بطرس الناسك المتجهة إلي القدس هم السلاجقة من المسلمين الأتراك الذين كانوا يتمركزون في آسيا الصغري.

جاءت حملة بطرس الناسك إلي المشرق الإسلامي سنة 1096 م/ 490 هج، و كانت حملة غير نظامية مكونة من الفلاحين و الحطابين من أوروبا ألهبت حماستهم خطب البابا أوربان الثاني.

اتخذت هذه الحملة طريقاً برياً إلي الشام عن طريق أسيا الصغري. و في آسيا الصغري لاقتها جيوش السلاجقة و ابادتها عن آخرها.

و لكن السلاجقة لم يستطيعوا مواجهة الحملة الصليبية الأولي التي قادها أمراء أوروبا، فانهزموا في موقعة دورويليوم في يوليو 1097 م. و بذلك خلي الطريق للصليبيين للتوجه إلي الشام و قاموا بتأسيس الإمارات الصليبية أولها إمارة الرها، ثم إنطاكيا و طرابلس، و دخلوا بيت المقدس في 10 يوليو 1099 م و أنزلوا بأهله مذبحة قتل فيها الآلاف. و أنشأوا مملكة بيت المقدس و عينوا بلدوين الثاني ملكاً عليها.

أما أول من بدأ يهاجم الإمارات الصليبية فهو مودود حاكم الموصل من الأتابك،  فجمع جنوده و اقتحم أراضي إمارة الرها الصليبية و خرب البيوت و أسر عدداً من الجنود الصليبيين، فكان هذا فاتحة لحركة النهوض الإسلامية و التجمع لحرب الفرنجة.

ثم جاء نجم الدين إيلغازي حاكل ماردين -التي تقع الآن في تركيا بالقرب من الحدود مع سوريا – و هاجم إمارة الرها و التقي بقوة صليبية عند بلدة قسطون جنوبي حلب سنة 1119 م / 513 هج و انتصر عليها مما زاد همة المسلمين بانكسار الأسطورة الفرنجية

أما أول من طرد الصليبيين من مدن المشرق و اسقط إمارتهم الصليبية، فهو عماد الدين زنكي أمير الموصل، الذي استولي علي حلب و وحد إمارتي حلب و الموصل ضد الصليبيين، ثم دعا المسلمين للجهاد، فتجمع عدد كبير من المجاهدين تحت لوائه فسار بجيش كبير و استولي علي إمارة الرها  سنة 539 هج / 1144 م بعد 46 عاماً من تأسيسها، و كان هذا نصراً عظيماً ارتجت له جوانب العالم الإسلامي و أثار مخاوف الصليبيين.

 

عماد الدين زنكي

أما موحد الشام ضد الصليبيين فهو نور الدين محمود ابن عماد الدين زنكي، الذي قضي عشر سنوات يوحد مدن الشام ضد الصليبيين و يوجه ضربات موجعة للصليبيين، حتي استطاع توحيد مدن الموصل و حلب و دمشق تحت إمرته، ثم ارسل بجيشه بقيادة أسد الدين شيركوه لمصر ليسقط الخلافة الفاطمية الضعيفة و يضمها تحت لوائه لقتال الصليبيين، و تمكن أسد الدين من ضم مصر لملك نور الدين سنة 1168م ، و سقطت الخلافة الفاطمية بعدها بثلاث سنوات بوفاة الخليفة الفاطمي العاضد.

لذلك يرجع الفضل لنور الدين محمود إنشاء جبهة إسلامية موحدة تضم مصر و الشام ضد الصليبيين. و كان تكوين هذه الجبهة إذاناً ببدء الهجوم الكبير الذي قاده صلاح الدين فيما بعد ضد الصليبيين.

أما صلاح الدين فقد تولي حكم مصر أولاً سنة 1168م، و بدأ بتحضير الجبهة الداخلية في مصر، ثم توجه إلي الشام و ضم مدن الشام لسلطانه سنة 1181م.

و في عام 1187 م، دعا صلاح الدين المسلمين للجهاد، و قاد الهجوم الكبير ضد الصليبيين في حطين  فهزمهم هزيمة منكرة و دخل مدينة القدس بعد حصار دام ثلاثة أشهر.

ثم تصدي صلاح الدين للحملة الصليبية الثالثة بقيادة فيليب أغسطس و ريتشارد قلب الأسد، و التي انتهت بعقد صلح الرملة عام 1193 م، و الذي يقضي باحتفاظ المسلمين ببيت المقدس و عسقلان، و احتفاظ الصليبيين بمدن يافا و صور و عكا في فلسطين، بالإضافة إلي إماراتهم إنطاكيا و طرابلس.

لذلك نجد أن نتائج جهاد صلاح الدين تمثلت اساساً في تحرير بيت المقدس، و هو الهدف الأساسي الذي جاءت من أجله الحملات الصليبية. لذلك تعد ضربة صلاح الدين للصليبيين ضربة قاسمة، كان لها أبعد الأثر في الضربات التي جاءت بعدها و أنهت وجودهم.

استمر وجود الصليبيين في المدن الساحلية من صور إلي يافا، بالإضافة إلي إمارات أنطاكيا و طرابلس و بيروت.

و جاءت بداية نهاية الصليبيين في المشرق الإسلامي علي يد الظاهر بيبرس الذي عزم علي طردهم من الشام. و كان عام 1265 م هو بداية حروبه ضد الصليبيين حيث خرج علي رأس جيش ضخم استولي به علي قيسارية و أرسوف كما استولي علي صفد عام 1266 م.

و في 1268 م استولي بيبرس علي أنطاكية، الإمارة الصليبية العتيدة. و قام بإحراق المدينة و سواها بالأرض، و قتل كل حاميتها الصليبية و باع النساء و الأطفال الصليبيين في سوق الرقيق.

ثم جاء السلطان المملوكي المنصور سيف الدين قلاوون فطرد الصليبيين من أقوي معاقلهم في الشام، حيث استولي علي اللاذقية عام 1287م ، ثم طرابلس عام 1289 م.

و جاء الأشرف خليل بن سيف الدين قلاوون، و طرد الصليبيين من آخر معاقلهم في الشرق و هي إمارة عكا، فقد خرج بجيش جرار من مصر و دمشق و طرابلس و حماه، و حاصر الصليبيين في عكا لمدة عشرة أيام و ضربها بالمناجيق و لقي مقاومة شديدة من فرسان الداوية و الاسبتارية حتي اقتحمها في مايو 1291 م. و بعد ذلك استولي بسهولة علي صور و صيدا و طرسوس في أغسطس سنة 1291م.

و بذلك انتهي الوجود الصليبي في الشرق الذي دام حوالي 200 عام، من 1097 م إلي 1291م.

و إذا وضعنا قائمة شرف لأعظم القواد المسلمين الذين جاهدوا الصليبيين، فهم بترتيب ظهورهم:

 

سلطان دولة المماليك البحرية (أحمر)

 

  1. عماد الدين زنكي
  2. نور الدين محمود زنكي
  3. صلاح الدين الأيوبي
  4. الظاهر بيبرس
  5. المنصور سيف الدين قلاوون
  6. الأشرف خليل بن قلاوون

 

و الجدير بالذكر أن أربعة من الستة في قائمة الشرف كانوا حكاماً لمصر، مما يدل علي أن مصر كانت مركزاً لانطلاق حملات التطهير للمشرق الإسلامي كله من الصليبيين، و خاصةً أيام الدولة المملوكية، بعد سقوط الخلافة العباسية علي يد المغول.

 

المراجع:

  • ·النوادر ااسلطانية و المحاسن اليوسفية، ابن شداد، دار المنار، الطبعة الأولي 2000، القاهرة
  • ·صلاح الدين الأيوبي، د. عبد المنعم ماجد، الهيئة المصرية العامة للكتاب، 1999
  • ·مقاتلون في سبيل الله، صلاح الدين الأيوبي و ريتشارد قلب الأسد و الحملة الصليبية الثالثة، جيمس روستون الابن، ترجمة رضوان السيد، مكتبة العبيكان، الطبعة العربية الأولي 2002

 

 

 

 

ما هو أصل تسمية مصر بهذا الاسم

 

الكثير من الناس يظنون أن اسم مصر هو من أصل عربي و يعني بلد، و جمعه أمصار. و علي الرغم أن هذا الاعتقاد ورد في كتب التاريخ، إلا أنه ليس الاعتقاد الغالب لدي المؤرخين. فالغالب أن اسم مصر يرجع تاريخه إلي زمن طوفان نوح عليه السلام، و هو اسم غير عربي.

هناك أقوال كثيرة في أصل تسمية مصر بهذا الاسم. و لكن أكثر الأقوال شيوعاً هي أن هذا البلد قد أخذ اسمه من أحد أحفاد النبي نوح عليه السلام هو مصرايم بن بنصر بن حام بن نوح الذي سكن مصر بعد الطوفان.

فاسم مصر يعود إذن إلي زمن طوفان النبي نوح عليه السلام. وكذلك بعض أسماء المدن في مصر ترجع إلي أسماء أبناء و أحفاد النبي نوح.

كان لنوح عليه السلام بعد الطوفان أربعة أبناء هم سام و حام و يافث و يخطون. لذلك فإن المصريين من أصل حامي، أي جدهم الأكبر هو حام بن نوح. أما العرب في الجزيرة العربية فجدهم الأكبر هو سام بن نوح، لذلك فهم من أصل سامي.

أما مصرايم الذي سميت مصر باسمه، فكان له أربعة أبناء، هم قفط و أشمن و أتريب و صا. و ترجع تسمية مدينتي قفط و أشمون إلي ابني مصرايم قفط و أشمن. لذلك فهما من أقدم مدن مصر مع منف.

 

المراجع:

-          النجوم الزاهرة في ملوك مصر و القاهرة، أبو المحاسن يوسف بن تغري بردي، تعليق محمد حسين شمس الدين، دار الكتب العلمية، بيروت، 1992 م

 

ميدان التحرير 

 

ميدان التحرير قلب العاصمة المصرية يبلغ عمره 150 عاماً، كانت بدايته في عهد الخديو إسماعيل (1863-1879م) الذي يعد أول من عمَر منطقة وسط البلد الآن. أراد الخديو أن يجعل القاهرة النسخة المصرية للعاصمة الفرنسية باريس التي قضي بها فترة من شبابه و بهرته بما فيها من جمال و روعة. لذلك كان أول اسم حمله هذا الميدان هو ميدان الاسماعيلية أو ميدان الخديو اسماعيل. 

فما هو تاريخ هذا الميدان العريق الذي شهد أكبر الأحداث التاريخية التي مرت بمصر طوال قرن من الزمان؟

  

ميدان التحرير حديثاً

 

كانت البداية في عهد الخديو اسماعيل الذي استقدم المعماري الفرنسي هاوس مان ليضع تخطيطا عمرانيا حديثاً للقاهرة يجعلها” قطعة من أوروبا”. و من أهم المناطق التي خضعت للتخطيط العمراني منطقة الأزبكية الواقعة من بركة الأزبكية و حتي شاطئ النيل.

ثم أختط ما بين الظاهر و باب الحديد الشارع المدعو الآن شارع الفجالة و اختط ما بين باب الحديد و الأزبكية الشارع الذي أطلق عليه اسم كلوت بك. ثم اختط جنوب الأزبكية ناحية القلعة الشارع الضخم الذي أطلق عليه اسم جده شارع محمد علي.

كما أختط أحياء التوفيقية و عابدين و الاسماعيلية، و في الأخير ميدان فسيح في مواجهة كوبري الإنجليز (كوبري قصر النيل) و اسماه ميدان الاسماعيلية.

يقول علي باشا مبارك، المعماري العظيم الذي أشرف علي تنفيذ مشروع تحديث القاهرة في كتابه الخطط التوفيقية عن تعمير منطقة ميدان التحرير و ما حوله ” كان بهذه المنطقة كثبان رملية و أتربه و برك مياه أسنه و مستنقعات و أراضي و سباخ. فلما جاء الخديو إسماعيل أمر بإزالة هذه الكثبان و ردم البرك و تمهيد جميع الأراضي و تخطيطها إلي شوارع و ميادين و جعل منازلها منفردة عن بعضها و دُكت أرض شوارعها بالدقشوم و أُنشئت الأرصفة علي جانبي كل شارع فيها. و جعل وسط الشارع للعربات و الحيوانات و مرت في جميعها مواسير الماء لرش أرضها و سقي بساتينها و تزويد مساكنها بمياه الشرب، و نصبت فيها فانيس الغتز لإضاءتها و تنويرها، و عهد إلي إحدي الشركات الإنجليزية عمل مشروع صرف المجاري فأصبح خط الإسماعيلية من أبهج أخطاط القاهرة و أعمارها و سكنها الأمراء و الأعيان..”.

 

المتحف المصري 

  

المتحف المصري في أوائل القرن الماضي

لنبدأ بأهم معالم ميدان الإسماعيلية و هو المتحف المصري الذي يقع في الجهة الشمالية للميدان. بني المتحف سنة 1902م في عهد الخديو عباس حلمي ( 1894- 1914 م). و يرجع الفضل إلي ميريت باشا في تجميع التحف المصرية الفرعونية القديمة و تخزينها في متحف بولاق، ثم نقلها إلي المتحف المصري الذي أنشئ خصيصاً لحفظ الآثار المصرية التي كانت متناثرة في كل مكان. و تعد مجموعة ميريت باشا هي نواة الآثار القديمة التي قام عليها المتحف المصري.  افتتح الخديو عباس حلمي المتحف في 15 نوفمبر عام 1902م ، و حضر الافتتاح عدد كبير من الأمراء و الوزراء و قناصل الدول الأجنبية.

و الحقيقة أن ميريت باشا، علي الرغم أنه فرنسي، إلا أنه هو أول من أهتم بحفظ الآثار المصرية و حمايتها من السرقة، و بذل مجهودات كبيرة لاقناع حكام مصر بعدم إهداء آثار مصر القيمة لقناصل و وكلاء الدول الأجنبية، فنجح في بعض الأوقات و فشل في أخري.

و لقد عهد إليه سعيد باشا و من بعده اسماعيل تولي حفظ و تسجيل الآثار ( العاديات) المصرية القديمة. فقام بهذا العمل علي أكمل وجه، حتي نجح في حفظ مجموعة نفيسة من الآثار في متحف بولاق الذي أُنشئ عام 1863 م.

و أصبحت دار العاديات (الآثار) المصرية مكتظة بالآثار الجميلة التي سافرت في معارض خارج مصر، منها معرض باريس. فاُعجب بها الأوروبيون أيما إعجاب حتي أن الإمبراطورة أوجيني طلبت من اسماعيل باشا أن يترك الآثار في باريس، و كاد أسماعيل أن يوافقها لولا أن تدخل ميريت باشا و ألح علي اسماعيل باشا بعدم قبول طلبها، و بذلك أنقذ آثار مصر من الضياع.

لذلك كان حق لميريت باشا علي مصر أن يسمي الشارع المقابل للمتحف و المؤدي إلي ميدان عبد المنعم رياض بشارع ميريت باشا تخليداً لجهوده الدؤوبة في الحفاظ علي آثار مصر من الضياع.

 

مجمع التحرير 

 

مبني مجمع التحرير بعد ثورة 1952م

 

ثاني أهم معلم من معالم الميدان هو مجمع التحرير، و هو بناء معماري ضخم يفتقد للشكل الجمالي بنته الحكومة المصرية عام 1952 م لتنقل فيه المصالح و الهيئات الحكومية المتناثرة في عقارات كثيرة مستأجرة و ذلك توفيرا للإيجارات الباهظة التي كانت تدفع لمالكي هذه العقارات.

بدأت الحكومة في بنائه عام 1951 و اكتمل في 1952م و هو كان يعد أضخم مبني إداري في ذلك الوقت، بلغت مساحته 4500 متر مربع و ارتفاعه 55 متر و يحتوي علي 1350 حجرة في 14 طابقاَ، و بلغت تكاليف بنائه في ذلك الوقت حوالي مليون جنيه مصري. كان يسمي مجمع الحكومة، و تغير اسمه بعد الثورة إلي مجمع التحرير باسم الميدان الجديد.

 

جامع عمر مكرم

و من أهم معالم الميدان أيضا جامع عمر مكرم و أمامه تمثال عمر مكرم، و عمر مكرم هو نقيب الأشراف و حامل لواء الجهاد ضد الاحتلال الفرنسي و الإنجليزي، و كذلك النضال الدؤوب ضد استبداد الولاة وظلمهم في نهاية القرن الثامن عشر و بداية القرن التاسع عشر.

كانت أولي مواجهاته مع الاحتلال الفرنسي عام 1798م ، عندما نزل الفرنسيون علي شواطئ الاسكندرية و توجهوا ناحية القاهرة قام السيد عمر مكرم بتعبئة الجماهير للمشاركة في القتال إلى جانب الجيش النظامي ” جيش المماليك في ذلك الوقت “.

و في هذا الصدد يقول الجبرتي ” وصعد السيد عمر مكرم أفندي نقيب الأشراف إلى القلعة فانزل منها بيرقًا كبيرًا اسمته العامة البيرق النبوي فنشره بين يديه من القلعة إلى بولاق وأمامه ألوف من العامة ” ويعلق الرافعي على ذلك بقوله: ”وهذا هو بعينه استنفار الشعب إلى التطوع العام بعد هجمات الغازي المغير والسير في طليعة المتطوعين إلى القتال “.
وعندما سقطت القاهرة بأيدي الفرنسيين، عرض عليه الفرنسيون عضوية الديوان الأول إلا أنه رفض ذلك، بل فضل الهروب من مصر كلها حتى لا يظل تحت رحمة الفرنسيس.
و ثاني جولاته كانت مع الاحتلال الإنجليزي حيث قاد المقاومة الشعبية ضد حملة فريزر الإنجليزية 1807م لاحتلال مصر، تلك المقاومة التي نجحت في هزيمة فريزر في الحماد و رشيد مما أضطر فريزر إلي الجلاء عن مصر.
و في هذا يقول الجبرتي: “نبه السيد عمر النقيب على الناس وأمرهم بحمل السلاح والتأهب لجهاد الإنجليز، حتى مجاوري الأزهر أمرهم بترك حضور الدروس، وكذلك أمر المشايخ بترك إلقاء الدروس”.
و يعلـق الرافعي على ذلك بقوله: “فتأمل دعوة الجهاد التي بثها السيد عمر مكرم والروح التي نفخها في طبقات الشعب، فأنك لتري هذا الموقف مماثلا لموقفه عندما دعا الشعب على التطوع لقتال الفرنسيين قبل معركة الأهرام، ثم تأمل دعوته الأزهريين إلى المشاركة في القتال تجد أنه لا ينظر إليهم كرجال علم ودين فحسب بل رجال جهاد وقتال ودفاع عن الزمان، فعلمهم في ذلك العصر كان أعم وأعظم من عملهم اليوم.

 

الجامعة الأمريكية

و من أهم معالم التحرير أيضاً مبني الجامعة الأمريكية الذي يقع في الجهة الجنوبية للميدان. و هو مبني بديع يقع علي رأس شارع القصر عيني، و كان في الأصل سراي الخواجة جناكليس.

 

مجموعة من طلبة الجامعة المصرية و بينم الطالب طه حسين

و بدأت شهرته عام 1908م عندما تحول إلي مقر للجامعة الاهلية المصرية (جامعة القاهرة) و هي الجامعة المصرية الأولي التي أنشأها المصريون بأموالهم في صورة اكتتاب عام أشرفت عليه لجنة ضمت مجموعة من صفوة المجتمع علي رأسهم سعد زغلول و قاسم امين، و قررت اللجنة أن تدعو الأمة للتبرع من أجل جامعة علمية يدرس فيها المصريون. و من أشهر من تخرجوا من الجامعة المصرية في أعوامها الأولي عميد الأدب العربي طه حسين.

و كانت قيمة الإيجار عام 1908م 350 جنيه لمدة عام، ثم امتد الإيجار عام 1909م ليشمل ملحقات السراي و هي السلاملك و الاسطبل و العربجانة و بيت القواص و الجنينة.

 

سراي الجواجة جناكليس

ظلت السراي مقراً للجامعة المصرية حتي قيام الحرب العالمية الأولي عام 1914م حتي تعذر عليها أن تدفع قيمة الإيجار الذي وصل إلي 720 جنيه فتركت السراي و الميدان إلي مكان آخر.

   

ثكنات قصر النيل

 

ثكنات قصر النيل

 

و من المعالم المهمة التي كانت موجودة في الميدان و لكنها اختفت الآن ثكنات الجيش المصري و كانت تسمي ثكنات قصر النيل، و التي كانت مقراً للجيش المصري قبل الاحتلال البريطاني عام 1882م ، ثم اتخذها الجيش البريطاني مقرا له. و من أهم مميزات المكان أنه كان قريبا من مقر المندوب السامي البريطاني الذي كان يقع تقريباً مكان ميدان سيمون بوليفار حالياً في جاردن سيتي، و في نفس الوقت قريب من قصر عابدين مقر الحكم في مصر في ذلك الوقت.

و بعد قيام ثورة يوليو 1952م تم إزالة الثكنات و بيعت الأرض لشركات أجنبية التي أقامت فنادق النيل هيلتون و شبرد و سميراميس عليها.

 

قصر النيل

من أهم معالم الميدان أيضاً قصر النيل و هو قصر الأمير كمال الدين حسين و الذي كانت تشغله وزارة الخارجية المصرية قبل الانتقال لمبني الكورنيش. و كمال الدين حسين هو أحد أمراء أسرة محمد علي. ترجع شهرته إلي أنه رفض أن يتولي عرش مصر بعد وفاة أبيه السلطان حسين كامل (1914-1917م). و نتيجة لذلك آل الملك للأمير أحمد فؤاد الذي أصبح فيما بعد الملك فؤاد و حكم مصر من 1917 حتي 1936م.

 و بسبب هذا القصر سمي الكوبري الذي يعبر من الجزيرة إلي الشاطئ الشرقي كوبري قصر النيل لأن القصر يقع في نهاية الكوبري ناحية اليمين للقادم من الجيزة إلي ميدان التحرير.

 

مبني جامعة الدول العربية

و من أهم معالم الميدان أيضاً مبني جامعة الدول العربية الذي أقيم علي انقاض ثكنات قصر النيل التي كان جيش الاحتلال يتخذها مقرا له. أنشئت الجامعة العربية سنة 1945م في عهد وزارة محمود فهمي النقراشي، و كان مقرها يقع في قصر البستان في شارع يوسف الجندي بالقرب من الميدان أيضاً، ثم انتقلت للمبني الجديد في ميدان التحرير في مارس عام 1960.

شهد الميدان أحداث كبري في تاريخ مصر منها و ذلك لأنه ميدان كان يقع في قلب القاهرة و يطل علي كافة المباني الحساسة و الفاعلة في تاريخ مصر، فهو يطل علي مقر المندوب السامي البريطاني و كذلك ثكنات جيش الاحتلال و يتفرع منه شوارع إلي بيت سعد زغلول ( بيت الأمة) و قصر عابدين المقر الملكي و كذلك وزارة الداخلية و مبني جامعة الدول العربية .

 

دخول الإنجليز للقاهرة سبتمبر 1882م

أهم الأحداث التي شهدها هذا الميدان هي دخول الجيش الإنجليزي لمصر عام 1882م و بداية الاحتلال الذي دام 72 عاماً. وصل الجيش الإنجليزي للقاهرة في سبتمبر عام 1882م و سار موكب الخديو توفيق الذي جاء من الاسكندرية إلي القاهرة ليشق الموكب طريقه في حراسة عسكر الإنجليز حتي يصل إلي ميدان الاسماعيلية و يستقر في سراي الاسماعيلية و يتخذ الإنجليز من ثكنات الجيش المصري المطلة علي الميدان مقراً لجنوده.

 

سراي الاسماعيلية في ميدان الخديو اسماعيل

  

مظاهرات الطلبة 1935م

كما شهد مظاهرات الطلبة عام 1935م المطالبة بالعودة دستور 1923م و التي خرجت من جامعة فؤاد الاول ( جامعة القاهرة) و عبرت كوبري الإنجليز (الجلاء) ثم كوبري قصر النيل متجهة إلي ضريح سعد زغلول المتفرع من شارع قصر عيني و لكن قوات البوليس و الجيش تصدت لها في نهاية كوبري قصر النيل قبل وصولها إلي ميدان الخديو اسماعيل ( التحرير) و أطلقت الأعيرة لمحاولة تفريقها. استمرت المظاهرات لمدة اسبوعين و انتهت برضوخ الحكومة الإنجليزية و إعادة العمل بدستور 1923م.

  

مظاهرات مليونية 1951م

 

مظاهرات مليونية عام 1951م

أما أكبر حشد شهده هذا الميدان في تاريخه قبل الثورة فكان المظاهرات التي خرجت يوم 14 نوفمبر 1951م في أعقاب إلغاء معاهدة الصداقة المصرية البريطانية المعروفة باسم معاهدة 1936م. و كانت القوي الوطنية قد توحدت في الدعوة إلي هذه المظاهرة التي تعلن عودة الكفاح المسلح ضد الوجود البريطاني في منطقة القناة.

جاءت الاستجابة للدعوة بشكل يفوق كل توقع  و شاركت كل طوائف المجتمع من طلبة و عمال و مشايخ و قضاة و اساتذة الجامعة حتي الأطفال، فقارب عدد المتظاهرين المليونين تجمعوا في ميدان الخديو اسماعيل ثم سلكوا شارع سليمان باشا ( طلعت حرب الآن) ثم شارع فؤاد ( 26 يوليو) حتي وصلوا إلي ميدان عابدين حيث قصر الملك.

 

مهرجان التحرير احتفالاُ بالثورة يناير 1953م

و بعد قيام الثورة 1952م ، أقام اللواء محمد نجيب هيئة تسمي هيئة التحرير لينضم إليها المصريون بدلاً من الأحزاب السياسية، و أقيم مهرجان التحرير بمناسبة مرور 6 أشهر علي قيام الثورة، و قبل انطلاق المهرجان في يناير 1953 قامت وزارة الإرشاد القومي بتغيير اسم الميدان من ميدان الخديو اسماعيل إلي ميدان التحرير و هو الاسم الذي ظل متحفظا به حتي الآن.

 

محمد نجيب يخطب

 

 

ثورة 25 يناير | ثورة ميدان التحرير

 

ثورة 25 يناير 

 

ثورة 25 يناير | ثورة ميدان التحرير

 

 

 



من إجمالي 1,002,450 كيلومتر مربع هي كل مساحة مصر "المحروسة"، أصبح ميدان التحرير الذي تُقدر مساحته (كميدان دون الشوارع المحيطة) بنحو 40.000 الف متر مربع، والذي شهد خلال ثمانية عشر يوم ثورة 25 يناير أروع الثورات في تاريخ مصر والعالم حيث خرج أكثر من20 مليون شاب مصري يطالب بالحرية والكرامة والعدالة.

ميدان التحرير ثالث ميادين القاهرة أهمية بعد ميدان رمسيس الذي تتركز فيه حركة النقل، وميدان العتبة التجاري، سمي في بداية إنشائه باسم ميدان الإسماعيلية، نسبة للخديوي إسماعيل، ثم تغير إلى أسمه الحالي "التحرير" نسبة إلى التحرر من الاستعمار في ثورة 1919 التي قادها الزعيم الوطني الراحل أحمد عرابي.

ميدان التحرير أصبح رمزا للحرية والصمود بعد أن شهد عدة مواجهات بين محتجين وقوات أمنية منها أحداث ثورة الخبز في 18 و19 يناير 1977، في فترة حكم الرئيس الراحل محمد أنور السادات وشهد ايضا ثورة 25 يناير او ما يعرف بـ(ثورة الغضب).

ميدان التحرير.. تحول من مساحة تضم عددا من المصالح الحكومية، وميدان صنف كشريان مرور رئيسي للعاصمة المزدحمة، أصبح في ثمانية عشر يوما.. رمزا لـ(ثورة 25 يناير).. للحرية.. للأمل.. وللمستقبل.

 



 

 




خطأ تاريخي شائع

 

 

الحملة الفرنسية لم تفك رموز اللغة الهيروغليفية

 

يظن الكثيرون أن الحملة الفرنسية التي جاءت إلي مصر و مكثت فيها ثلاث سنوات ( 1798-1801م ) هي التي اكتشفت اللغة الهيروغليفية بواسطة حجر رشيد. و لكن الحقيقة أن العالم شامبليون مكتشف اللغة لم يكن من علماء الحملة. 

فمن هو شامبليون، و كيف اكتشف اللغة الهيروغليفية، و كيف انتهي حجر رشيد في المتحف البريطاني في لندن الآن ؟

عُثر علي حجر رشيد في مدينة رشيد عام 1799م ، عثر عليه أحد الجنود الفرنسيين التابعين للحملة الفرنسية و هو يحفر أحد الخنادق، فنُقل إلي المجمع العلمي المصري الذي كان نابليون قد انشأه و يتكون من  مجموعة من كبار العلماء الفرنسيين الذي جاءوا مع الحملة.

 

حجر رشيد مكتوب بثلاث لغات

كان الحجر عبارة عن منشور ملكي كتبه بطليموس الخامس في عهد البطالمة. و المنشور مكتوب بثلاث لغات و هي اللغة اليونانية القديمة و اللغة الهيوغليفية و اللغة الديموطيقية. و اللغة الديموطيقية هي اللغة الشعبية التي يتكلم بها عامة شعب مصر، في الوقت الذي كانت فيه اللغة الهيروغليفية يتكلم بها كبار الكهنة و الطبقة الحاكمة.

ظل حجر رشيد مع علماء الحملة حتي جاء موعد الرحيل عن مصر عام 1801م، و كانت الاتفاقية تقضي بخروج جنود الحملة مصر و نقلهم إلي فرنسا علي سفن الاسطول الإنجليزي الذي يحاصر شواطئ الاسكندرية.

 

و أثناء خروج الفرنسيين من مصر، أصر قائد الأسطول الإنجليزي هتشنسون أن يسلم الفرنسيين كل ما في حوزتهم من اكتشافات أثرية عثروا عليها في مصر إلي الإنجليز و منها حجر رشيد.

و تم لهم ذلك بالفعل، و أخذ الإنجليز حجر رشيد و وضعوه في المتحف البريطاني عام 1802م و الذي مازال قابعاً فيه حتي الآن.

 و لكن السؤال هو ما هي أهمية حجر رشيد و ما الفرق بينه و بين كل الكتابات الفرعونية الموجودة علي جدران المعابد و المسلات و التماثيل. الفرق يكمن في أن المنشور المنحوت علي حجر رشيد مكتوب بثلاث لغات مختلفة، و بالتالي فإن مقارنة حروف لغة معروفة بأخري غير معروفة ستسهل اكتشاف أحرف و رموز اللغة غير المعروفة و هي الهيروغليفية.

لم يستطع العلماء الإنجليز فك رموز اللغة الهيروغليفية، فارسلوا نسخة بما هو مكتوب علي الحجر إلي العلماء و المتاحف في كل أنحاء أوروبا. و جاءت نسخة إلي فرنسا عام 1803م.

و بدأت رحلة شاقة من البحث و الدراسة استغرقت حوالي 20 سنة حتي توصل في النهاية العالم الفرنسي جان فرنسوا شامبليون Jean-Francois Champollion في باريس عام 1822م إلي فك رموز اللغة الهيروغليفية التي فتحت الطريق واسعا لدراسة الحضارة المصرية القديمة و أسست لظهرو علم جديد هو علم المصريات.

 

جان فرنسوا شامبليون Champollion

 

و لكن لماذا تأخر فك رموز اللغة 20 سنة كاملة بعد اكتشاف الحجر؟

الحقيقة أن اكتشاف اللغة الهيروغليفية مر بمراحل عدة و بني علي اكتشافات أولية مهمة يجب معرفتها و أولها اكتشاف أن المنشور مكتوب بثلاث لغات مختلفة و أن الكلام المكتوب باليونانية القديمة هو نفسه المكتوب بالهيروغليفية و الديموطيقية، و كان ذلك عام 1799م.

الانجاز الثاني هو اكتشاف أن اللغة الهيروغليفية كانت تستخدم رموز صوتية لنطق الكلمات الأجنبية ( أي اليونانية مثلا)، و كان صاحب هذا الاكتشاف توماس يونج عام 1814م. و الإنجاز الأخير كان اكتشاف شامبليون للرموز الصوتية لنطق الكلمات المصرية، و كان ذلك عام 1822م.

 و أخيرا، فإن الحكومة المصرية بدأت منذ عام 2003 تطالب بإعادة حجر رشيد إلي مصر علي أساس أنه خرج من مصر بدون موافقة الحكومة و أثناء احتلال أجنبي. و لم يتم الاستجابة لهذا المطلب حتي الآن، بدعوي أنه أصبح تراثاً عالميا تملكه الإنسانية كلها.

 

   حقيقة شعبية الملك فاروق

 

الحقيقة أن الملك فاروق لم يكن مكروهاً من الشعب المصري، و خاصةً في السبع سنين الأولي من حكمه، بل علي العكس كان ذا شعبية عريضة لم ينلها ملك قبله. في السبع سنين الأولي من حكمه، سعي الملك فاروق لتنمية شعبيته لدي الناس بشتي الطرق و ساعده

الحقيقة أن الملك فاروق لم يكن مكروهاً من الشعب المصري، و خاصةً في السبع سنين الأولي من حكمه، بل علي العكس كان ذا شعبية عريضة لم ينلها ملك قبله.

في السبع سنين الأولي من حكمه، سعي الملك فاروق لتنمية شعبيته لدي الناس بشتي الطرق و ساعده في ذلك رئيس ديوانه أحمد حسنين.

 

الملك فاروق

فتقرب إلي العمال و الفلاحين و الطلبة و قرب إليه حزب الفتاة و أحزاب المعارضة الأخري و الإخوان المسلمين، و في الوقت نفسه تقرب إلي أقباط مصر و ضباط الجيش و خاصةً الرتب الصغيرة.
و كان غرضه الأساسي في كل ذلك هو زيادة شعبيته و زعامته في الشارع المصري و سحب البساط من تحت الوفد و تدمير قاعدته الشعبية.

و الحقيقة أنه نجح في إحراز شعبية كبيرة في مصر لم ينلها أي من حكام أسرة محمد علي من قبل. فاتجه بعد ذلك للزعامة خارج مصر، فسار في اتجاه زعامة العالم الإسلامي ليكون خليفة المسلمين و عاونه في ذلك الشيخ المراغي شيخ الأزهر. كما سعي لتحقيق زعامة مصر للدول العربية. و لكن سعيه كان دائماً دعائياً يصلح كمنشتات للصحف و يثير عواطف الشارع المصري العاطفي بطبعه، و لكنه في الحقيقة لا يغير شيء من الواقع.

كما كان دائماً يتسم بالمشاغبة تجاه الإنجليز و سلطتهم في مصر المتمثلة في دار المندوب السامي البريطاني. هذه المشاغبة اكسبته حب المصريين، و لكنها كانت لا تعدو أكثر من حركات طفولية لم تترجم إلي أفعال حقيقية لتحقيق استقلال مصر الكامل عن بريطانيا. و نسوق هذا المثال للتوضيح : عندما ألقي سير مايلز لامبسون كلمته في احتفالات تولي فاروق سلطاته الدستورية، رد عليه الملك باللغة الفرنسية علي الرغم من إجادته للإنجليزية ، مما اغضب المسئولين البريطانيين و اسعد المصريين. و منها ما هو طريف عندما أخرج الملك فاروق لسانه للسفير البريطاني و لمن معه في أثناء حفل نادي الضباط الذي حضره ولي عهد اليونان.

و لكن بريطانيا كانت قلقة من ازدياد شعبية فاروق خاصةً داخل الجبش، و إعلانه الدائم عن انتمائه للمحور ضد الحلفاء أثناء الحرب العالمية الثانية، و يعدد لامبسون مساوئ فاروق فيصفه بأنه مغرور و ليس علي استعداد لأن يتصور أن مخاطبه ربما يعرف أكثر منه في موضوع المناقشة، و أنه صلب الرأي، و جاهل، و منقاد لمستشاريه. و يعرض لامبسون طرق استمالة فاروق و منها توجيه الدعوة له لزيارة بريطانيا و منحه وساماً عالياً. و من ذلك يمكن أن ندرك أن أدوات التأثير علي فاروق كانت مرتبطة دائماً بكيفية تلميع صورته و إرضاء كبريائه و إحساسه الطاغي بنفسه و رغبته في زيادة شعبيته.

و لكن في كل الأحوال فإن فاروق الذي اتسم بالزعامة و حقق شعبية كبيرة لدي المصريين في النصف الأول من فترة حكمه و اعتاد علي مشاغبة الإنجليز و مضايقة وزرائه و عدائه للوفد، كل هذا كان يمثل الوجه الأول لفاروق، أما الوجه الثاني فقد ظهر بعد إقالته لوزارة النحاس عام 1944م وهو وجه مختلف تماماً أفقد فاروق شعبيته و جعل الشعب الذي رفعه إلي أعلي يهوي به إلي أسفل في نهاية درامية.

ازدادت عادات فاروق السيئة مثل ارتياد الملاهي الليلية و لعب القمار و المغامرات النسائية، و كل هذه العادات اكتسبها في فترات الشباب و كانت لها اسبابها في التربية الصارمة في فترة الصبا، و لكن هذه العادات استحوذت عليه في النصف الثاني من فترة حكمه، فبعد ان ساءت سمعته و تدهورت شعبيته بين الناس، ازداد هروبه لحياة الليل، فكان يقضي في لعب القمار أوقات كبيرة، فأهمل أعماله و ترك مصالح الأمة في يد حاشيته الفاسدة، كما عاني من السمنة نتيجة شراهته في الأكل و خاصة الشيكولاته و المأكولات البحرية.

كان فاروق يتمتع بالذكاء، و لكنه لم يكن صاحب رؤية، فاستغل ذكائه في صراع السلطة مع السفير البريطاني و زعيم حزب الأغلبية و أحزاب المعارضة. كما استخدم ذكائه في زيادة شعبيته بين الناس. و كان موفقاً إلي حد كبير في هذا في النصف الأول من حكمه . و لكن في النصف الثاني تغيرت الظروف، فالشعب كان يئن من ظروف اقتصادية سيئة نتيجة الحرب العالمية الثانية مما جعل المزاج العام غير متقبل للدعاية الفاروقية كما كان من قبل. مما أصاب فاروق بالاحباط و تحول إلي النقيض من حيث اللامبالاة و الغرور و الانانية المفرطة و كثرة الهروب لحياة الليل.

أما فيما يتعلق بمغامراته النسائية، فهي لم تكن اتباعاً للملذات بقدر ما كانت محاولة لإثبات الرجولة التي أثبتت التحاليل الطبية أنها ليست مكتملة نتيجة خمول غدد معينة. كما أنها كانت تمرداً علي فريدة و هي الزوجة صاحبة الشخصية القوية التي اصطدمت مبكراً بتسلط فاروق و سطوته و هيمنة الأم نازلي فتحولت حياة القصر إلي منازلات نسائية بين الزوجة و الأم علي زعامة القصر النسائية.
و لكن يمكن أيضاً فهم مغامرات فاروق النسائية من منطلق رغبته الشديدة في استسلام الآخرين له و لسلطته، مارس ذلك مع رؤساء وزرائه و أيضاً مع النساء ، حتي وصلت إلي الرغبة في الاستيلاء علي ما عند الآخرين مثل النساء المتزوجات و المخطوبات، لذلك لم يكن استيلاء فاروق علي ناريمان، زوجته الثانية، من خطيبها ليتزوجها مستغرباً علي شخصيته التسلطية الأنانية التي لا تعبأ بالآخرين. و إن حاول الآخرون التشبث بما لديهم و عدم التنازل، ينقلب الأمر عند فاروق إلي ثأر شخصي و حقد و كره لهذا الآخر.

و من مظاهر هذا التسلط أن فاروقاً عندما طلق زوجته الأولي فريدة، حاول استصدار فتوي من الشيخ المراغي تحرم علي فريدة أن تتزوج رجلاً آخر أو أن تري بناتها. و لكن الشيخ المراغي رفض بشدة لمخالفة ذلك الشريعة الإسلامية.

كان فاروق يردد دائماً أن المكلية ستنتهي في العالم كله و لن يبقي من الملوك إلا خمسة، ملك بريطانيا و ملوك الكوتشينة الأربعة. هذا الاحساس الداخلي بعدم استمرار حكمه لمصر جعله يعمل علي جمع الأموال و الأملاك و تهريبها إلي الخارج في بنوك أجنبية تحت حسابات سرية و خاصة بعد سنة 1946 م عندما قام الطلبة بمظاهرات و داسوا صورته بالأقدام. لذلك عمل فاروق علي زيادة المخصصات الملكية، و دخل في صفقات مع الحكومة لصالحه فباع للحكومة يخت فخر البحار ثم احتفظ به، و أجبر الحكومة علي دفع تكاليف باهظة لإصلاح يخت المحروسة الخاص به ليتمتع به في رحلاته البحرية، و عمل علي زيادة مساحة أراضيه الزراعية بكل الوسائل المشروعة و غير المشروعة. و تفنن في اقتناء الهدايا و التحف الفريدة.

تزوج فاروق فريدة و أقيم حفل الزفاف في 20 يناير 1938، و تم الطلاق بينهما في 19 نوفمبر 1948 م بعد زواج استمر قرابة 11 سنة.

أنجب فاروق من زوجته الأولي فريدة أولاده البنات فريال (17 نوفمبر 1937) و فوزية (7 أبريل 1940) و فادية (16 ديسمبر 1943)، و انجب من زوجته الثانية ناريمان ابنه الوحيد أحمد فؤاد.

 

حقيقة الأسلحة الفاسدة في حرب 1948 م  

 

قضية الأسلحة الفاسدة هي من أشهر القضايا التي ارتبطت بحوادث جسيمة في تاريخ مصر ، أهمها هزيمة مصر في حرب فلسطين عام 1948 م و قيام ثورة يوليو عام 1952 م. 

و نظراً لهذا الارتباط الوثيق بهذين الحدثين الكبيرين في تاريخ مصر، وجدنا أنه من المهم أن نفصل في هذه القضية بين ما ثبت أنه حقائق تاريخية، و بين ما هي استنتاجات و مبالغات روجت لها وسائل الإعلام بطرق متعددة و في عهود مختلفة لتكوين انطباعات معينة لدي الشارع المصري عن هذه القضية.

في البداية من الأفضل أن نبدأ بسرد المعلومات الأساسية عن قضية الأسلحة الفاسدة التي تم توريدها للجيش المصري أثناء حرب فلسطين 1948م.

قررت القيادة السياسية المصرية ممثلة في الملك فاروق و رئيس الوزراء النقراشي باشا دخول حرب فلسطين عام 1948م قبل نهاية الانتداب البريطاني علي فلسطين باسبوعين فقط. و أقر البرلمان المصري دخول الحرب قبلها بيومين فقط.

  

النقراشي باشا

و نظراً لضيق الوقت و القصور الشديد في السلاح و العتاد الحربي اللازم لدخول الجيش الحرب، تم تشكيل لجنة سميت لجنة احتياجات الجيش يوم 13 مايو كانت لها صلاحيات واسعة بدون أي قيود أو رقابة لاحضار السلاح من كل المصادر و باسرع وقت ممكن.

و كان مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة قد أصدر قراراً بحظر بيع الأسلحة للدول المتحاربة في حرب فلسطين. و هو قرار كان يقصد منه الدول العربية بالذات. لذلك اضطرت الحكومة المصرية للتحايل علي هذا القرار أن تجري صفقات الأسلحة مع شركات السلاح تحت غطاء اسماء وسطاء و سماسرة مصرييين و أجانب، مما فتح الباب علي مصرعيه للتلاعب لتحقيق مكاسب ضخمة و عمولات غير مشروعة. فكان التلاعب يتم في شيئين أساسيين هما: سعر شراء السلاح الذي كان مبالغ فيه بدرجة كبيرة، و مدي مطابقة السلاح للمواصفات و صلاحيته للاستعمال.

و في 24 فبراير 1949 م تم توقيع اتفاق الهدنة بين مصر و إسرائيل، و بذلك انتهت حرب فلسطين فعلياً بهزيمة مصر و الدول العربية و استيلاء إسرائيل علي كل أرض فلسطين ما عدا قطاع غزة و الضفة الغربية و القدس العربية، و هو أكثر بكثير مما كان مقرراً لليهود وفقاً لقرار التقسيم الصادر عن الأمم المتحدة.

 

تقسيم فلسطين وفقاً لقرار الأمم المتحدة 1947

فمتي تفجرت قضية الأسلحة الفاسدة ؟

تفجرت القضية في أوائل عام 1950 م بسبب تقرير ديوان المحاسبة ( مثل الجهاز المركزي للمحاسبات الآن) الذي ورد فيه مخالفات مالية جسيمة شابت صفقات أسلحة للجيش تمت في عامي 1948 و 1949 م.

و لما حاولت الحكومة برئاسة مصطفي النحاس الضغط علي رئيس الديوان لحذف ما يتعلق بهذه المخالفات من التقرير، رفض و قدم استقالته. فقدم النائب البرلماني مصطفي مرعي من المعارضة استجواب للحكومة عن اسباب الاستقالة و فضح في جلسة مجلس الشعب يوم 29 مايو 1950 للمجلس المخالفات الجسيمة التي شابت صفقات الأسلحة.

و للأسف استخدمت الحكومة الوفدية برئاسة مصطفي النحاس و الملك فاروق كل الوسائل المشروعة و غير المشروعة لاسكات أصوات المعارضة التي أرادت فتح ملفات القضية للوصول إلي المتورطين فيها.

و يرجع الفضل إلي احسان عبد القدوس و مجلته روزاليوسف أن وصلت أخبار هذه الصفقات المشبوهة إلي الرأي العام الذي هاله مبلغ الفساد الذي استشري في كل شئ حتي وصل إلي المتاجرة بدماء جنود مصر في أرض المعركة.

و نجحت روزليوسف في تكوين ضغط شعبي كبير اضطر معه وزير الحربية مصطفي نصرت في ذلك الوقت أن يقدم بلاغ للنائب العام لفتح تحقيق فيما نشر بصحيفة روزليوسف عدد رقم 149 بتاريخ 20 يونيو 1950م عن صفقات الأسلحة الفاسدة في حرب فلسطين.

هل تم التحقيق في القضية و محاكمة المتورطين فيها ؟

بعد أن قدم وزير الحربية مصطفي نصرت بلاغ للنائب العام، قام النائب العام محمود عزمي بفتح باب التحقيق في القضية، و انقسمت القضية إلي شقين، قضية اتهام أفراد الحاشية الملكية، و قضية اتهام أفراد من الجيش و المدنيين.

أما في قضية اتهام الحاشية الملكية، فقد قرر النائب العام في 27 مارس 1951 م تحت ضغط الملك و موافقة الحكومة حفظ التحقيقات فيها.

أما الشق الثاني من القضية المتهم فيه أفراد من رجال الجيش و المدنيين فقد تم إحالته للمحكمة، و استمرت جلسات القضية حتي تحدد يوم 10 يونيو 1953 م للنطق بالحكم، أي بعد قيام ثورة يوليو بحوالي سنة.

و قضي الحكم ببراءة كل المتهمين من كل التهم المنسوبة إليهم، ما عدا متهمين فقط حكم عليهما بغرامة 100 جنيه علي كل منهما، و  هما القائمقام عبد الغفار عثمان و البكباشي حسين مصطفي منصور.

و الحقيقة أن هذا الحكم بالبراءة نزل كالصاعقة علي الرأي العام في داخل و خارج مصر، و خاصة بعد قيام الثورة، فلم يكن هناك سبب للتستر علي المتورطين. و نحن لا نعرف يقيناً السبب الرئيسي في أحكام البراءة فربما يرجع ذلك إلي عدم كفاية الأدلة، لأن حيثيات حكم المحكمة اختفت من سجلات القضاء و لم تظهر حتي الآن.

أما عن مدي تسبب الأسلحة الفاسدة في هزيمة الجيش المصري في حرب 1948م ، فقد ثبت بالدليل القاطع و من خلال تحقيق أكثر من جهة و شهادات الجنود و الضباط أن الأسلحة الفاسدة التي تم توريدها في صفقات سلاح مشبوهة قام بها سماسرة و من وراءهم الملك فاروق لم يكن لها تأثير في مجريات الحرب.

فعندما وجدت لجنة احتياجات الجيش أن الوقت ضيق جداً للحصول علي السلاح الذي يحتاجه الجيش للحرب، قررت اللجوء إلي مصادر كثيرة و منها مصادر سريعة و غير مضمونة لتوريد السلاح، و هي:

أولاً: تجميع الأسلحة و المعدات من مخلفات الحرب العالمية الثانية في الصحراء الغربية و اختيار الصالح منها و ارساله للجيش. و لقد وصلت من هذه المعدات إلي أرض المعركة، ذخيرة مدافع عيار 20 رطلاً، و التي ثبت في التحقيق أنها كانت غير صالحة للاستعمال و تسببت في انفجار أربعة مدافع يومي 7 و 12 يوليو 1948م، مما أدي إلي مقتل جنديين و جرح ثمانية.

ثانياً: كان الجيش المصري يحتاج إلي دبابات لاقتحام المواقع الحصينة التي أقامها اليهود في مستعمراتهم،. و لكن بريطانيا كانت ترفض أت تبيع دبابات للجيش المصري خوفاً أن يستخدمها ضد قواتها في القناة.

لذلك قامت لجنة الاحتياجات بارسال ضباط في زي مدني لشراء دبابات انجليزية من طراز لوكاست تباع خردة في المزاد العلني في معسكرات الإنجليز بقناة السويس بعد نسف فوهات مدافعها. و بالتالي فكان مدي اطلاق كل مدفع يختلف حسب الطول المتبقي من الفوهة. و لقد أدي استخدام هذه المدافع في ميدان المعركة إلي سقوط قتلي كثيرين في الوقت الذي كان فيه الجيش الإسرائيلي مزود بأحدث الدبابات.

ثالثاً: تسببت قنابل يدوية إيطالية الصنع في جرح جندي واحد هو النقيب مختار الدسوقي يوم 4 يناير 1949م. و هي القنابل اليدوية التي وردها أحد سماسرة السلاح للجيش المصري. و هي تعد صفقة السلاح الوحيدة المشبوهة التي ظهر ضررها في أرض المعركة.(2)

و بالتالي فيمكن القول أنه كانت هناك بالفعل صفقات أسلحة فاسدة لا تصلح لاستعمال الجيش قام سماسرة مصريين و أجانب بتوريدها للجيش المصري بمبالغ طائلة يفوق سعرها الأصلي بكثير. و لقد حقق من وراء  هذه الصفقات سماسرة السلاح و الحاشية الملكية و الملك نفسه ثراء غير مشروع.

و لكن هذه الأسلحة لم تستخدم في ميدان القتال، فقد ظل معظمها في صناديقها في المخازن، فيما عدا صفقة القنابل اليدوية الإيطالية التي ثبت بالفعل أن الجيش المصري استخدمها في المعارك و كانت غير صالحة للاستعمال، و أحدثت أصابات.

أما باقي القتلي و الإصابات التي حدثت من أسلحة غير صالحة للاستعمال فكان يرجع ذلك إلي استخدام أسلحة من مخلفات الحرب في الصحراء الغربية و استخدام أسلحة تباع خردة في معسكرات الإنجليز بمنطقة القناة.

و لكن يجدر الإشارة أيضاً أن لجنة احتياجات الجيش قد نجحت في توريد أسلحة أخري كثيرة متطورة أنقذت الجيش المصري من هزيمة أبشع و من سقوط قتلي أكثر مما حدث. فبسبب الحظر علي توريد السلاح لمصر، لجأت اللجنة إلي تهريب السلاح من دول كثيرة أوروبية. و بلغ مقدار ما استطاعت أن تورده للجيش الذي يحارب ما يعادل جملة ما تسلمه الجيش المصري من بريطانيا خلال العشرين عاماً التي سبقت الحرب. و من هذه الأسلحة الطائرات سبيت فاير البريطانية و ماكي و فيات الإيطالية.

و يجب أيضاً أن نذكر تضحيات جماعات الفيدائيين المصريين في الإسماعيلية بزعامة عبد الحميد صادق الذين كانوا يقومون بحملات سرقة سلاح من مخازن الجيش الإنجليزي في القناة لإمداد الجيش المصري بما يحتاجه. و مات و جرح الكثير في هذه العمليات. و قاموا بتزويد الجيش المصري بسلاح بما يعادل قيمته 6 ملايين جنيه.

إن يتبقي السؤال الأخير، و هو ما هي الأسباب الحقيقية وراء هزيمة الجيش المصري في حرب فلسطين 1948 م ؟

و الحقيقة أن هذا الموضوع ما زال قيد البحث و التأريخ. و لكن وفقاً لما صدر من شهادات و دراسات صادقة في هذا الموضوع علي الجانب المصري،  فيمكن القول أن:

كان هناك أسباب سياسية مهدت لهذه الهزيمة و أسباب أخري عسكرية علي أرض المعارك.

أما الأسباب السياسية فهي:

أولاً: مساندة إنجلترا و الولايات المتحدة و فرنسا لليهود في الحصول علي دولة خاصة بهم علي أرض فلسطين. هذه المساندة تمثلت في تشجيع هجرة اليهود بأعداد ضخمة لفلسطين، و إمدادهم بالأسلحة و الذخيرة ، و منعها عن الجانب المصري، و تدريب اليهود علي الفنون العسكرية.

و علي الرغم أن إنجلترا وافقت علي دخول الدول العربية الحرب بجيوشها، إلا أنها كانت تعلم تمام العلم أن القوات العربية بتسليحها و قدرتها لن تستطيع أن تحقق نصراً علي قوات اليهود التي تفوقها عدداً و تسليحاً و قدرات عسكرية. كما أنها مارست ضغطاً كبيراً علي حكومات الدول العربية لكي تضمن قيام دولة يهودية في الأرضي التي خصصت لها بموجب قرار التقسيم.

ثانياً: غياب استراتيجية واضحة لدي القيادة السياسية في مصر التي لم يكن لديها الدراسات السياسية و العسكرية و التاريخية عن فلسطين و خطورة المخطط الصهيوني، و طبيعة و اسباب و ابعاد المساندة الغربية لقيام هذه الكيان فوق أرض عربية. كما لم يكن لديها مخابرات بالمعني الاحترافي، بحيث تكون قادرة علي معرفة ابعاد المخطط الإنجليزي  اليهودي، و فارق التسليح بينا و بينهم، و مدي تواطؤ الملك عبد الله في هذا المخطط.

 

الملك فاروق و الملك عبد العزيز بن سعود

ثالثاً: دخول الملك عبد الله في اتفاق سري مع  الإنجليز و الوكالة اليهودية، و هو ما أحدث تصدع في الجبهة العربية، لأن الأردن كانت هي الدولة الأولي المعنية بموضوع فلسطين، و لكنها في نفس الوقت كانت هي الدولة التي قرر ملكها ألا يدافع عن فلسطين و ألا يسمح حتي بقيام دولة فلسطينية لها حدود مع دولته، و إنما قرر أن يلتهم الأرض الفلسطينة لتكون ضمن حدود مملكته. كما أن قيادات الجيش الإردني ( الفيلق العربي) كانت كلها من الضباط الإنجليز. مما يعني أن الفيلق العربي كان يأتمر بأمر الإنجليز و ليس بأمر لقيادة العربية.

أما علي أرض المعارك، فكانت أسباب الهزيمة كالتالي:

فارق الخبرة العسكرية و العدد و العدة بين الجيش المصري و جيش الهاجاناه اليهودي، فلم تكن لدي قيادة الجيش المصري سابق خبرة في قيادة أي معارك حربية، لأن الخطط الحربية ليست معلومات مكتوبة في الكتب و إنما تجارب و ممارسات  علي أرض الواقع. فآخر الحروب التي خاضها الجيش المصري كانت بقيادة إبراهيم باشا في الشام سنة 1839م. و منذ ذلك الحين لم يشارك الجيش المصري في أي معارك حربية. أما جيش الهاجاناه اليهودي فقد شارك جنوده و ضباطه في الفيلق اليهودي في الحرب العالمية الأولي ثم في الحرب العلمية الثانية، و أعطيت له مهام عسكرية في الحرب العالمية الثانية مثل طرد حكومة فيشي من سوريا. فأكتسب اليهود خبرات كبيرة في هذه الحروب متعددة الجبهات. و من حيث العدد و العدة نقل حسنين هيكل في كتابه ( العروش و الجيوش 1) عن اللواء حسن البدري، المؤرخ العسكري للجيش المصري، أن القوات الإسرائيلية كانت تفوق القوات المصرية في العدد بنسبة 1:2. و بلغت نسبة تفوق القوات الإسرائيلية علي المصرية في المعدات و الذخائر من حيث الكم و الكيف نسبة 1:3،5 ( ثلاثة و نصف إلي واحد)

  1. قيام القوات الأردنية بالانسحاب من مواقعها بأوامر من قيادتها السياسية المتواطئة مع الإنجليز و اليهود ضد العرب. فأدت بانسحابها خسارة أراضي واسعة كانت مخصصة للدولة العربية وفقاً لتقسيم فلسطين، و هي الجليل الأعلي و صحراب النقب. كما أن الانسحابات الأردنية أدت إلي كشف المواقع المصرية و محاصرتها من قبل قوات العدو كما حدث في الفالوجا.
  2. كان الإنجليز يتحكمون في توريد الأسلحة للجيش المصري، و عندما بلغ تقدم الجيش المصري في فلسطين مبلغاً مقلقاً بالنسبة لهم، رفضوا طلبات مصر بتوريد الأسلحة و الذخيرة، و بدأ الجيش في الجبهة يعاني من نقص شديد في الأسلحة و الذخيرة.
  3. فرق المقاومة الفلسطينية المساندة للجيش المصري كانت أضعف من التصدي للهاجانا، و كانت تتمثل في قوات الجهاد المقدس بقيادة عبد القادر الحسيني و قوات الإنقاذ بقيادة فوزي القاوقجي، فانكسرت بسرعة أمام اليهود لأنها كانت أقل تنظيماً و خبرة و تسليحاً.
  4. استخدام الجيش المصري لأسلحة فاسدة من مخلفات الحرب العالمية الثانية، فقيادة الجيش المصري اعتمدت علي سماسرة السلاح لشراء أسلحة  الجيش، و أصر الملك علي شراء الأسلحة من إيطاليا التي كانت تربطه بها علاقات قوية، و كانت النتيجة أن الأسلحة جاءت من مخلفات الحرب العالمية الثانية في مخازن الجيش الإيطالي، فكان بعضها فاسد و أدي إلي إصابات في صفوف الجيش المصري

و من المهم أن نورد رأي الحاج أمين الحسيني مفتي فلسطين في الأداء العربي في الحرب، و الذي ارسله لمحمد حسنين هيكل، و ذكره الأخير في كتابه ( العروش و الجيوش 1) : ” أن

 

الحاج أمين الحسيني

بعض المسئولين في الدول العربية الذين كانت في أيديهم مقاليد الأمور، لم يكونوا جادين و لا مصممين في مواجهة هذه المشكلة و لم يعالجوها بما تتطلبه خطورتها من الحزم و الاهتمام، بل كانوا هازلين، خائرين، مترددين، بينما كان اليهود جادين كل الجد”

و نقطة أخري مهمة أوردها الحاج أمين في شهادته تستحق أن نوردها هي ” أنه بينما كان اليهود يعملون بقوة و تصميم بوحي من مصالحهم العامة و تنفيذاً لبرنامجهم الصهيوني الخطير، كان بعض المسئولين في بعض الدول العربية يعملون إما بوحي الاستعمار الأجنبي أو بتأثير مصالحهم الخاصة . و قد نتج عن تضارب الأهواء و المصالح، و تباين الغايات و الأهداف و التخاذل بين دول الجامعة، وقوع هذه الكارثة الأليمة. ”

 

المراجع:

  1. العروش و الجيوش ، محمد حسنين هيكل ، الطبعة السابعة، دار الشروق، 2002 م
  2. أسرار ثورة 23 يوليو – الجزء الأول، جمال حماد، الزهراء للإعلام العربي، 2006م

 

 

Rumbo, tus viajes al mejor precio

 

 

رسم الاشتراك الشهري

 

 يتم سداده ابتداء من اول اكتوبر 2014 بواقع 5 يورو شهريا

يتم سداد الاشتراك في الحساب البنكي المذكور بالاسفل

 

رقم حساب اتحاد المصريين في مدريد 

 

0049-0267-32-2610442171 

 

Banco Santander

 

رسوم الاشتراك هي المصدر الوحيد حاليا للموارد المالية اللازمة لتغطية المصاريف المتوقعة لتلبية متطلبات الاتحاد

 

فبرجاء سرعة تسديد الاشتراكات في اسرع وقت كي نتمكن من تفعيل الخدمات والبرامج الاجتماعية والثقافية والفنية وخلافه  وايضا كي نتمكن من سداد ايجار ومصاريف المقرالجديد للاتحاد وتجهيزه بكل الادوات الازمة كي يكون لائق بالمصريين ويلبي احتياجاتهم وبالخدمات التي ستقدم به

 

والاتحاد يرحب بالتبرعات التي توجه للصالح العام والتي لا يبتغي المتبرع من ورائها اي مصلحة خاصة أو شخصية

 

  

عنوان مقر الاتحاد الحالي

 

Calle Joaquin Dicenta 16

28029, Madrid

 

Email:

  asociaciondelosegipcios@gmail.com  

 

Web :

 http://asociaciondelosegipcios.jimdo.com/ 

 

 

 

 

 

 

 ويشمل نطاق خدماته إقليم مدريد ومملكة إسبانيا  بالكامل

 


انزل استمارة طلب العضوية من هنا

 

DownloadSOLICITUD DE SOCIO

تحميل طلب الالتحاق بالعضوية في اتحاد المصريين في اسبانيا

Slolicitud de Socio.pdf

Adobe Acrobat Document [168.4 KB]

Download

 

ملحوظة

 

يمكنك ملئ الاستمارة مباشرة على جهاز الكمبيوتر ثم بعد ذلك طباعتها وارسالها الينا ومرفق معها صورة شخصية لك ولافراد الاسرة الكريمة وصورة جواز السفر المصري او بطاقة الرقم القومي وبطاقة الاقامة في اسبانيا الى الايميل الخاص بالاتحاد لسرعة تسجيل البيانات

 

asociaciondelosegipcios@gmail.com